سؤال ينهش القلب، وينبش الذاكرة.. ويفتح جرحاً لم يكن ملتئماً وإنما كان هاجعاً.. إن جراحات القلب لا تندمل أبداً وإنما تهادن القلب، ويهادنها، فتغفو بجانبه كما يغفو ثعبان، فإذا تحرك شيء اهتز وأشرع أنيابه. أين أنت؟ سؤال صغير جداً، ولكنه حاد جداً، ومر جداً، وسام جداً كالعلقم والسم الزعاف. أين أنت؟ كلمة تختفي وراءها مواجع سنين، وذكريات وحنين، ودموع، وشجن، وشجا، تشيخ الأيام وما يشيخ.. وجمر يتلظى وإن التحف بغشاء من الرماد. أين أنت؟ كلمة تواري وراءها أساطير الأحلام، والأماني، وقصصا من مغامرات الروح في مجاهل الشوق والوله.. أو وراء تلك الأماكن العتيقة المشرعة للحلم، والريح والشمس. أين أنت؟ حكاية تاريخ بعمر الدهور.. بعمر العذاب، بعمر صباحات الحقول، وعشيات الحمى.. بعمر حكايات الطفولة، وأناشيد الأيام العذبة.. أين أنت؟ سؤال بعمر أعياد القرى وأعراسها.. بعمر شباب صباياها وعذاراها الحسان، وهن يلعبن بزهر الحياة، ويغترفن من ماء الصبا والشباب والفرح. أين أنت؟ صوت يدوي في لحظة وجد، فيهيم كروح ملاك تحلق في ملكوت الله الواسع.. ولكنه يرجع صدى جارحاً، وجرحاً أنيقاً ينزف بعطر القلب، ودمعاً تهمل به العين في لحظة تفجر وجداني حبيس يتمرد على النسيان، في لحظة هشاشة وجدٍ تتحطم أمامها كل أسورة الكبرياء، والتجلد، لتقدح شرارة حنين تلتهم نيرانها كل غابات التحفظ وهشيم الصمت.. فتفتضح العين، ويتحول القلب إلى جناح طائر يرف مفلوتاً يمارس حريته في كف الريح.. ويغمس رأسه في ضوء شموس البحر وحقول أشعة الدفء، وصباحات الربيع. أين أنت؟ سؤال بحجم تيتم العواطف، وتشردها في دروب الضياع، وفي موانئ المدن المسكونة بالصقيع، والعواطف الباردة. أين أنت؟ سؤال بحجم فوانيس البحر، حين ترسم ظلها على الأمواج الراعشة بالظلام، ونواقيس الحزن في ليالي البرد ومساءات الصقيع. أين أنت؟ سؤال بحجم خنجر ينام، ويهجع في القلب، ثم يوقظه هذا السؤال الشرس.. فيا حلماً كان يراود أماني الطفولة وقد شاخت الطفولة ولم تشخ. وشابت ذوائبها ولم تشب.. هل لك من مجيء في غفلة من عين الزمن المختلس؟ Your browser does not support the video tag.