خلال السنوات الماضية كانت أغلب المشروعات الاستراتيجية الخاصة بشراء السلاح والدواء والأجهزة الطبية والتقنيات المتقدمة الخ.. تتم حسب الأعراف التقليدية في الشراء ابتداءً من الشراء إلى التشغيل والصيانة، وإذا احتجنا إلى قطع غيار فليس لدينا خيار غير الاستيراد من نفس الشركة المصنعة، وهذا قد يأخذ الوقت والمال، وقد تتعطل منفعة عامة من جراء ذلك، وحتى عمليات التشغيل والصيانة فهي تقوم على مبدأ «كل الفطير وطير» فلا يوجد توطين أو نقل للمعرفة بها، وتبقى المعرفة في عقول الخبراء والعاملين الأجانب ويذهبون إلى بلادهم بما كسبوا من خبرات وتجارب في بلدنا، ومع الوقت أصبح هناك فراغ معرفي وطني أدى إلى شبه اعتماد على منتجات وأفكار وخبرات دول كثيرة بشكل أخر بالمحتوى الفكري والبشري السعودي. وأصبح لدينا تضخم سواء فيما يسمون بالخبراء الأجانب والمستشارين وأيضاً العمالة شبه الماهرة وغير الماهرة، وهذه الفوضى خلقت مشهداً ضبابياً لسوق العمل وفراغاً حاداً في نقل المعرفة وبينهما تجاراً غير حقيقين يلعبون في مساحة هذا الفراغ ويحاولون سد الفجوة ولكن بشكل غير قانوني ولا يخدم التوطين أو سوق العمل الوطني ولا حتى توطين التقنية والمعرفة. رؤية 2030 ليست فقط رؤية مجردة بل هي إصلاح استراتيجية حقيقية للاقتصاد وتنمية وإصلاح اجتماعي يركز على التوطين ونقل المعرفة وإعادة هيكلة المؤسسات وهذا ما يتبناه الأمير محمد بن سلمان ولي العهد في الزيارة التاريخية للولايات المتحدة الأميركية، وهنا أركز على أنها زيارة تاريخية كونها مختلفة من حيث الشكل والمضمون، وأيضاً المحتوى فهناك صفقات وتوقيع اتفاقيات مليارية واستراتيجية، ولكن المهم هو أنها تفتح عهداً جديداً واستراتيجية غير تقليدية للتوطين الشامل سواءً كان معرفياً أو تقنياً، وتفتح فرص عمل للسعوديين حقيقية تخدم البعد الاستراتيجي الأمني بمفهومه الشامل سواءً كان عسكرياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً. اليوم هذه الزيارة التاريخية الفريدة من نوعها من حيث الكم والمضمون والمحتوى والشمولية تعيد هندسة العلاقات من الناحية الاقتصادية والسياسية ولكن بمفهوم ورؤية سعودية استراتيجية تتميز بالحيوية والديناميكية والانفتاح الثقافي والمعرفي والعلمي لبناء السعودية الجديدة، وهناك وضوح في الهدف من الأمير محمد عندما سُئل عن الزيارة فقال: لجلب الاستثمارات والمستثمرين الأميركيين ولكن بشروط سعودية جديدة أهمها التوطين ثم نقل المعرفة علماً بأن التفاوض في مثل هذه الأمور معقد للغاية لأنه يتم بلغة أنا أكسب وأنت تكسب، فنقل المعرفة ليس له أهمية بدون غرسها في عقول المواطنين سواء قوى بشرية أو رجال أعمال سعوديين وأهم ما في التوطين ونقل المعرفة ما ركزت فيه الزيارة وهو الشراكة مع مراكز الأبحاث والجامعات والشركات التي تملك التقدم العلمي والمعرفي وهذا بحد ذاته سيحقق مكاسب سريعة للاقتصاد لأنه يتغذى على آخر ما وصلت إليه التكنولوجيا والمعرفة الإنسانية، فالوقت في مثل هذه الأمور هو المال والمستجدات هي اختصار للوقت وبالتالي هي المال. Your browser does not support the video tag.