صورة العربي النمطية السلبية التي تطرحها وسائل الإعلام الجماهيري في الغرب، وتقوم بتفعيلها وترسيخها عن طريق التكرار، لم تعد صورة تصنع وتقولب مباشرة كما كان شأنها في الماضي، بل صارت تطرح على نحو أشد حذقاً ومكراً مما كان عليه الأمر قبل عقود. ومن المعروف أن إدوارد سعيد المفكر الفلسطيني الراحل، تمكن في كل من كتابيه الذائعي الصيت: «الاستشراق» و«الثقافة والامبريالية» من التصدي لهذه الصورة النمطية وتفنيدها إلى الحد الذي جعل «الاستشراق» يتحول إلى «استعراب» أو صناعة للصورة السلبية على نحو لا يخلو من المواربة التي يوفرها تطور وسائل الإعلام الحديث. وهكذا صار المستشرق خبيراً من خبراء منطقة الشرق الأوسط في معظم جامعات العالم الغربي المميزة. وتحضرني بهذه المناسبة قصة سجال فكري عاصف ومميز بين المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد والمستشرق وعالم الاجتماع البريطاني إرنست جلنر حول صورة العربي النمطية السلبية. هذه القصة تصلح في تقديري لإلقاء نظرة تقييمية شاملة تتصل بتلك الصورة، في سياق الآثار المتوقعة والناجمة عن الزيارات الرسمية التي قام بها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع إلى عواصم المملكة المتحدة والولايات المتحدة وأوروبا الغربية عموماً، تلك الزيارات الحافلة التي توجت وسط أجواء ترحيبية حافلة وآفاق تعاون مفتوحة، بتدشين شراكات استراتيجية شاملة بين بلادنا وبين المملكة المتحدة والولايات المتحدة على وجه الخصوص. لا شك عندي أن رصد عملية تغيير الصورة النمطية يحتاج إلى دراسة متأنية، ولكن أحد أبرز شروط التغيير اللافتة التي سبق أن أثارها إدوارد سعيد في الملحق الأدبي لصحيفة «التايمز»، والتي تستحق الالتفات، يمكن صياغتها على النحو التالي: إذا كان المستشرق إرنست جلنر خبيراً في شؤون الشرق الأوسط والثقافة العربية والإسلامية، فكيف يعتمد في كتاباته على مصادر ثانوية غير عربية باستمرار؟. ولا يلبث المرء أن يكتشف أن جلنر الذي يصدر أحكاماً على الثقافتين العربية والإسلامية، تدور حول صور نمطية سلبية للعرب تتخللها إشارات غير صحيحة تتناول المملكة العربية السعودية، لا يعرف العربية. كيف يمكن إذاً أن يصبح هذا الباحث مستشرقاً موضوعياً تؤخذ أحكامه بجدية؟ كيف يصبح خبيراً في شؤون الشرق الأوسط يحاوره الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب في اللحظة الحرجة ليحلل ويفسر أو يفند رأياً يتصل بدول الشرق الأوسط دون أن يكون قادراً على العودة إلى المصادر العربية المتعلقة بها؟. بل كيف يستقيم الكلام أساساً عن خبراء «مختصين» وبعضهم يعتبر دعامة من دعامات جامعة بارزة أو Think Tank دون أن تتوفر لديهم المعرفة بالثقافة العربية والإحاطة اللازمة بما يجري في المنطقة التي يتحدثون عنها؟. هذا الشرط المنهجي والذي يعتبر من قبيل تحصيل الحاصل في أي سجال إعلامي معقول أو مرموق، يثيره في نفسي بين الآن والآخر بعض ما أراه وأسمعه من قنوات إعلامية وتلفزيونية مرموقة وصديقة كقنوات البي بي سي على سبيل المثال وليس التحديد. والحال أن هذا التشويه الإعلامي الذي قد يكون متعمداً أو غير متعمد والمسمى بلغة علم النفس ب«فوبيا العرب» أي «رهاب العرب» أو مرض الخوف من العرب والشعور بالعداء تجاههم، كثيراً ما يعمي بصر «الخبير» المعُتمد و«بصيرته». وقد يسمي البعض هذا التشويه عندما يكون مقصوداً، تضليلاً إعلامياً Disinformation يستند إلى خلفيات استخبارية، ويستهدف إعادة كتابة الأحداث وتقييمها بصورة مغايرة. وقد شهد - كما هو معروف - ذيوعاً وازدهاراً لا مثيل لهما منذ حرب حزيران 1967. ولكن ما أود الإشارة إليه في هذه السطور، هو ذلك الضرب من التشويه الذي يحفر عميقاً في النفوس، وأعني به التنميطات السلبية Negative stereotyping التي سرعان ما تتحول من تنميطات إلى رواسم أو كليشيهات تلصق باسم الدولة المستهدفة على نحو تلقائي، وذلك كلما ذكرت تلك الدولة. وهذا النوع من الانحراف الإعلامي من السهل تفنيده ولكن ليس من السهل وضع حد له، فهو «نمط» أو «كليشة» محفورة في العمق، ومعنى ذلك أنه سرعان ما يصبح تنميطاً شعبوياً على غرار الصورة الإعلامية التي سبق أن عممتها السينما في هوليوود لما دعته ب«شيخ العرب القبيح». إنه ليس شخصية محددة تشير إلى عربي أو آخر، بل صورة يصفها أحد الباحثين بأنها: جائشة وعصية على التحول، صورة مشوهة ومعممة للعربي نفسه فقيراً كان أم ثرياً، يروج لها من قبل الإعلام الشعبي الغربي عموماً، وترقى إلى مستوى الاغتيال الجماعي للشخصية العربية. هذه الصورة كما أسلفنا تنتمي إلى نموذج إعلامي معروف هو التنميط أو القولبة السلبية، ويعاد طرحها عن طريق عدد من الأفلام الهوليودية القديمة التي تعرض مجدداً على شاشات التلفزيون في أوروبا بمناسبة عيد الفصح أو عيد الميلاد أو رأس السنة. ولا شك أن حوار الأمير محمد بن سلمان مع شبكة سي بي إس قبل زيارته الرسمية إلى واشنطن، يطرح حلاً ناجعاً لهذا الاغتيال الإعلامي، حلاً يقوم على المواجهة الصريحة إلى أقصى الحدود. لقد أكد سموه بلا تردد أن إيران ليست نداً للمملكة، وأن المملكة ستعمل على تطوير قنبلة نووية إذا قامت إيران بذلك، وأن في المملكة جيلاً شاباً، «وفرنا له ما يلزم من صحة وتعليم»، وأننا «قطعنا شوطاً لمنح المرأة حقوقها»، وأن «النساء اليوم لم يحصلن على كل الحقوق التي ضمنها الإسلام ولكن المملكة تعمل على ذلك»، وأن «القرار يرجع إلى المرأة في تحديد نوع الملابس المحتشمة والمحترمة التي تريد ارتداءها». ويمكن القول أخيراً إن هذا التصميم على الصراحة والمواجهة بلا مواربة هو بمثابة ولادة جديدة، ولادة لا تكتفي بتعديل الاقتصاد وتطوير الرأسمال المادي والرمزي بل تتصدى لتصحيح الأعراف الاجتماعية الخاطئة دون المساس بالحساسيات الدينية. *الملحق الثقافي السعودي في بريطانيا Your browser does not support the video tag.