تبقت هناك حلقة مفقودة بين معلم الأمس واليوم، حيث نسمع كثيراً أن مدرسي الأمس الأفضل والأقوى شخصية، مع أن ما نشاهده من تطور في المعارف والعلوم في وقتنا الحالي يجعلنا نقول: إن مدرس اليوم الأفضل. وساهمت كثرة برامج التطوير، والانتقال من برنامج إلى آخر قبل ثبات مهارات الأول، وكذلك كثرة عدد الطلاب وكثرة المهام في التأثير السلبي على أداء المعلم في الوقت الحاضر، الأمر الذي جعله يظهر أمام طلابه بصورة مختلفة عن معلم الوقت الماضي، والذي يجد التقدير والاحترام والهيبة داخل المدرسة وخارجها، يساندهم في هذه المهمة التربوية أرباب الأسر، ناهيك عن حبه لعمله وإخلاصه والتزامه وحرصه لأن يكون دائماً قدوة صالحة لطلبته قولاً وعملاً. ظروف صعبة وقال عبدالفتاح أحمد الريس -باحث تربوي ومؤلف وكاتب صحفي-: بالرغم من أن معلم الأمس لا يملك سوى القليل من المعلومات في مجال تخصصه، ويستخدم فقط الطرق التقليدية في تدريسه، ويتعامل مع طلبته بصرامة لأجل استقامة سلوكهم ودفعهم للتعلم تحت ظروف معيشية صعبة وإمكانات مدرسية محدودة آنذاك إلاّ أنه تمكن من تخريج جيل متعلم وذي أخلاق عالية ساهم أفراده في نهضة وبناء هذا المجتمع وهذا الوطن، من خلال انخراطهم في مختلف الأعمال والمناصب القيادية، مضيفاً أن معلم اليوم فبالرغم من توفر كل ما يحتاجه لأداء رسالته التربوية والتعليمية على أكمل وجه ووفقاً لمعطيات العصر إلاّ أنه بات عاجزاً إلى حد كبير في تحقيق ما رسمته سياسة التعليم في بلادنا من أهداف وغايات منشودة؛ والسبب يعود لكون أكثر معلمي اليوم قد انتسبوا لهذا العمل دونما رغبة أكيدة كناتج حتمي لعدم توفر وظائف مناسبة لهم في أمكنة أخرى، ولغياب دور الأسرة وعدم تعاونها المستمر مع مدارس أبنائهم. تقدير واحترام وأوضح الريس أن معلم الماضي يجد التقدير والاحترام والهيبة داخل المدرسة وخارجها إلى الحد الذي يهرب منه طلبته لمجرد رؤيتهم له في أي مكان، يساندهم في هذه المهمة التربوية أرباب الأسر ناهيكم عن حبه لعمله وإخلاصه والتزامه وحرصه لأن يكون دائماً قدوة صالحة لطلبته قولاً وعملاً، بينما لا يتوافر مثل ذلك لدى بعض معلمي اليوم، ولعل أكبر دليل ممارسة بعضهم لعادة التدخين أمام مدارسهم، وهذا من غير الممكن فعله من قبل معلم الأمس، أو الانشغال بالجوالات حتى داخل حجرات الدراسة، علماً أنه ومن باب الأمانة هناك من بينهم من وصل إلى درجة التمييز والإبداع، مؤكدين في ذات الوقت على أن استخدام الضرب الذي ينادي به كثير من المعلمين لضبط سلوكيات الطلاب لا جدوى منه استناداً لدراسات تربوية أجريت بهذا الخصوص، بينما الأفضل من ذلك كله إحاطة الطلاب بمشاعر الأبوة الحانية وتعليمهم بالحسنى وتوجيههم بأفضل الطرق والأساليب المحبب للنفس، إضافةً إلى أمور أخرى تتعلق بحرية التعبير والاستماع لوجهات النظر والتشجيع والتقويم الموضوعي والعدل وبث روح الفضيلة في نفوسهم وتحمل المسؤولية، وكذلك تنمية التفكير الإبداعي ومساعدتهم على حل المشكلات واتخاذ القرارات في وقتها المناسب، ولله در القائل: "أعطني مُعلماً أعطك مدرسة". تربية أسرية وتحدثت فاطمة الحميد -تربوية متقاعدة- قائلةً: عندما نتحدث عن معلم الأمس ومعلم اليوم نجد الكثير من العوامل التي أدت إلى وجود هذا الفارق، فلا نغفل دور التربية الأسرية والمجتمعية التي تغيرت أشكالها وكونت هذا الجيل الصعب، جيل جريء ومشاكس دائماً، يطلب المزيد ويفرض نفسه بقوة أثرت على القيم في التعامل مع المدرس، الذي يستسقي منه المعلومة التي كانت في السابق تأتي منه، ولم يكن هناك مصدر للمعرفة والعلم إلاّ عن طريقه إلاّ من اجتهد وبحث، مضيفةً أن المعلم سابقاً له هيبة واحترام وتقدير من الجميع، وللأسف في الوقت الحالي مع التقدم والتطور السريع وزيادة التكنولوجيا واختلاف مصادر المعرفة ووسائل التواصل الاجتماعي والانفتاح الذي جعل الطالب يحاور ويناقش ولا يقتنع بسهولة، ويقف كالند للمدرس، مما أضعف هيبة مربي الأجيال وقلة صبره على الطالب أدت إلى نفور الطلاب وعدم رغبتهم في الدراسة، بل والغياب عن المدرسة، إضافةً إلى أن المعلم لا يجتهد في تطوير نفسه، ويعتمد على دفاتر التحضير الجاهزة، بعكس الأمس، حيث يجتهد المعلم في تحضيره ويتفنن في وسائل الشرح. فرق كبير وذكر أحمد عبدالله العطوي -معلم متقاعد- أن معلم الأمس لا يمكن مقارنته بمعلم اليوم رغم توفر كافة الإمكانات له والوسائل التقنية الحديثة، وسهولة حصوله على المعلومة بواسطة الإنترنت، لكن لو قارنت مخرجات التعليم للطلاب الذين درسوا وتتلمذوا على أيدي معلمي الأمس لشاهدت الفرق الكبير بينهم، فهم الأفضل عن هذا الجيل الحالي رغم عدم توفر الثورة المعلوماتية الحالية لهم، وظروف عملهم، وانعدام كل الوسائل المتاحة حالياً، ومن يعمل في الميدان التربوي يدرك هذه الحقيقة. وقالت ع.ش -معلمة-: أجد أنه لا فرق بين معلم الأمس ومعلم اليوم سوى أن معلم اليوم توسعت دائرة مهاراته وإمكاناته المعينة في توصيل المادة لطلابه، مستغربةً من عدم جودة مخرجات التعليم في وقتنا هذا عمّا كان عليه بالماضي مع الإمكانات المتواضعة، ولعل هذا يرجع بالمقام الأول إلى نظام التقويم الذي أثبت فشله الذريع وما زاده بلّة التعنت بعدم الاعتراف بالفشل، وانعكس ذلك كله على المعلم، فها هو كل يوم يستيقظ على اختبارات ومشروعات وتعاميم ودورات لترقيع ما اتسع رقعته. تقنية حديثة وأشارت زكية فلمبان -معلمة رياضيات متقاعدة- إلى أن الحلقة المفقودة بين مدرس الأمس واليوم هو الطالب، فطالب اليوم ليس كطالب الأمس، بينما المعلم مازال على ما هو عليه، حيث يتخرج من الجامعة وقد تمت تغذيته بنفس المعلومات والطرق القديمة عن التدريس وإيصال المعلومات؛ لأن مدارسنا معظمها غير مهيأة لممارسة الطرق الحديثة في التدريس، بينما تغير الطلاب نتيجة توفر التقنية الحديثة في كل بيت، فأصبح يحتقر المعلم الذي مازال يعلمه بطريقة التعليم في الكتاتيب كزمن الطيبين، مضيفةً أن الفرق في شخصية معلم الأمس عن اليوم ترجع إلى تغير الأنظمة وتغير الطالب، فالأنظمة الحديثة تحد من سيطرة المعلم وبطشه السابق، وانفتاح الطلاب ومعرفتهم بحقوقهم حد من تلك الشخصية المتعالية والمسيطرة للمعلم. دون المستوى وأوضحت د.مريم إلياس -مشرفة متقاعدة- أن معلم اليوم توفرت له كل الأساليب والتقنيات، فهو الأفضل في هذا الجانب، إلاّ أن مستوى التعليم لم يحقق المستوى المأمول عالمياً، والأسباب كثيرة، منها المعلم مسؤول عنها، ومنها تقع عوامل خارجة عن إرادته من أبرزها ليس لديه همة المعلم الفاضل في الجيل السابق، حيث يتأفف ويعترض كثيراً لو كثرت الأعباء عليه، مضيفةً أنه رغم الانفجار المعرفي المعلم الحالي قليل المعرفة والتطبيق بالنظريات والطرق والأساليب المعاصرة، فما يعرفه فقط معلومات سطحية، رغم ما تبذله الوزارة في تطوير أداء المعلم إلاّ أن التطبيق بطيء جداً، مشيرةً إلى أن العوامل الخارجية هي كثرة برامج التطوير، والانتقال من برنامج لآخر قبل ثبات مهارات الأول، وكذلك كثرة عدد الطلاب وكثرة المهام. زيادة الأعباء على المعلم أثرت على أدائه في الفصل بعض المعلمين يجتهدون في توصيل المعلومة بأسلوب مشوّق زكية فلمبان عبدالفتاح الريس Your browser does not support the video tag.