العلاقات السعودية الأميركية، ليست علاقات طارئة، يمليها حدث عابر، أو لحظة طارئة، وإنما هي علاقات تاريخية قديمة، أسس أعمدتها الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود "طيب الله ثراه"، منطلقاً من اعتبارات المصلحة الوطنية السعودية، التي كان لابد من تعزيزها والحفاظ عليها، بعد نجاحه في توحيد شبه الجزيرة العربية في عام 1928م، وهي خطوة شكلت -في الواقع- الأساس القوي لبناء منظومة الأمن العربي والخليجي، والتقارب والتعاون داخل الأسرة الخليجية، بفضل توحيد بلاد الحرمين، حيث شكلت المملكة العربية السعودية، محورها الأساسي مع الزمن، بما تشكله من ثقل إسلامي واقتصادي. ولو عدنا إلى التاريخ قليلاً، لفهم المعاني التي حملتها العلاقة السعودية الأميركية، والتي اتصفت منذ بداياتها، بأنها علاقات استراتيجية، تحدد مساراتها مصلحة البلدين الصديقين، وسعي المملكة أيضاً إلى تعزيز الأمن القومي العربي. فبعد النجاح الذي حققه الملك الراحل عبدالعزيز آل سعود في توحيد الجغرافيا في بلاده، كان من الطبيعي أن يسعى إلى الحصول على اعتراف دولي بدولته الوليدة. ومع أن الولاياتالمتحدة لم تكن مهتمة كثيراً بالعلاقات مع السعودية في البداية، إلا أن نجاح الملك عبدالعزيز آل سعود في ترسيخ اعتراف دولي ببلاده دفع بالأميركيين، إلى التوجه نحو المملكة العربية السعودية، التي بدأت آنذاك في تعزيز موقعها كدولة مهمة ومحورية في المنطقة، لاسيما بعد اكتشاف النفط في المملكة في أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي، الذي زاد من ثقل المملكة عالمياً، على الصعيد الاقتصادي أيضاً. ونلاحظ هنا أنه بعد بضع سنوات أي في عام 1944م، اعترفت الولاياتالمتحدة رسمياً بالمملكة العربية السعودية وأقامت معها علاقات دبلوماسية كاملة وشاملة. وتبع هذا الاعتراف الأميركي تطوراً ملحوظاً في العلاقات بين البلدين، توج باتفاقيات اقتصادية، كالاتفاق الذي وقعته المملكة مع شركة أرامكو الأميركية للتنقيب عن النفط واستخراجه. ومع تعزيز هذا التعاون، تطورت العلاقات بين البلدين على مختلف الصعد، ولاسيما الصعيد السياسي، كما تطورت الخبرات السعودية في مجال النفط، إلى أن جاء قرار الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز في عام 1988م، بتأسيس شركة النفط السعودية (أو أرامكو السعودية) التي حلت محل أرامكو. هذا التعاون الاقتصادي بين الولاياتالمتحدة والمملكة، بلور رؤية مشتركة من الناحية السياسية، لاسيما مع تنامي دور المملكة باعتبارها دولة مهمة ومحورية في العالمين العربي والإسلامي. ولذلك لا غرابة أن يعلن الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت أن "الدفاع عن السعودية يعد أمراً حيوياً بالنسبة للدفاع عن الولاياتالمتحدة"، في فبراير 1943م، وذلك عقب تعرض منشأة نفطية في الظهران لقصف من جانب القوات الإيطالية المتحالفة مع ألمانيا النازية ومن يتابع تاريخ المنطقة يرى أنه في تلك المرحلة من التاريخ، كانت هناك أحداث عالمية كبرى تركت أثرها الكبير على العالم بأسره، وخاصة الحرب العالمية الثانية التي انقشع غبارها عن تبدلات جيوسياسية كبيرة على مستوى العالم بأسره. إذ ظهر بوضوح ما سمي بالمد الشيوعي الذي بدأ يطال منطقة الشرق الأوسط، وسعي الولاياتالمتحدة إلى احتواء هذا الانتشار. فقد وعدت الولاياتالمتحدة برئاسة الرئيس الأميركي هاري ترومان الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، بأن الولاياتالمتحدة ستتكفل بحماية السعودية من النفوذ السوفيتي. وكان من الطبيعي أن تتطور العلاقات العسكرية بين البلدين، رغم مرور العلاقات بين البلدين ببعض الأزمات العابرة، بسبب إصرار المملكة العربية السعودية على قراراتها السيادية، ويظهر ذلك واضحاً في عام 1973م حيث قرر الملك السعودي الراحل فيصل بن عبدالعزيز "طيب الله ثراه"، الانضمام إلى الحظر النفطي على الغرب دعماً للموقف العربي في حرب أكتوبر ضد "إسرائيل" ومطالبة المملكة الولاياتالمتحدة بالضغط على إسرائيل. وبعد انتهاء الحرب الباردة في عام 1989، وانهيار الاتحاد السوفييتي السابق ازدهر التعاون بين البلدين. كما تعززت العلاقة بينهما بشكل كبير بسبب التدخلات الخارجية في المنطقة. زد على ذلك أن صفقات الأسلحة الكبيرة بين البلدين، تعد دليلاً إضافياً على صلابة هذه العلاقات، التي هي جزء من علاقات اقتصادية واسعة، ناهيك عن ابتعاث عشرات الآلاف من الطلبة السعوديين للدراسة في الولاياتالمتحدة. كما أن هناك قواسم مشتركة كبيرة تربط بين الجانبين، لعل أبرزها رغبتهما في مكافحة التطرف في العالم، ومحاربة الإرهاب، حيث تعد المملكة العربية السعودية قطباً مهماً في معركة العالم المتحضر، ضد الإرهاب والتطرف، وهو ما أكد عليه مؤخراً صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، الذي أكد أيضاً أهمية الاعتدال والوسطية، وضرورة محاربة الإرهاب والتطرف، ولعل المواقف السعودية الواضحة من الإرهاب، والدعوة إلى محاربته، هي ما دعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى اختيار الرياض ليطلق منها دعوته إلى محاربة الإرهاب خلال زيارته للمملكة في 20 مايو 2017م، في لقاء جمعه بقادة أكثر من خمسين دولة عربية وإسلامية حضروا قمة الرياض آنذاك. وأخيراً وليس آخراً لابد من التذكير بأن النهج المتعقل والناجح الذي تنتهجه المملكة، تجاه الحرب على الإرهاب، ومواقفها الصريحة منه، هو ما أعطى المملكة مكانة عالمية مرموقة، لا سيما وأنها ربطت دائماً بين القول والعمل، في توجهاتها بهذا الشأن، واستطاعت بحكمة وقدرة قيادتها على التعامل مع الأحداث برؤية واضحة وعقل مستنير، أن تلحق الهزيمة بالإرهاب، بل ومهدت السبيل لإصلاح ما أفسده الإرهابيون، من خلال برنامج المناصحة الذي يهدف إلى محاربة الإرهاب فكرياً، بنفس القوة التي يجب أن يحارب فيها على الأرض. وأخيراً لابد من القول إن المملكة العربية السعودية بثقلها العربي والإسلامي، استطاعت بحكم علاقتها مع الولاياتالمتحدة، أن تحافظ على أمن واستقرار المنطقة، التي كانت ومازالت تتعرض لهزات سياسية واضطرابات اجتماعية، ومؤامرات خارجية لا تُحصى، ومن هنا تأتي زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد إلى الولاياتالمتحدة لتعزز هذا النهج السعودي السياسي، وتؤكد على ترابط وقوة العلاقات الوثيقة بين البلدين، لما فيها من مصلحة مشتركة للطرفين. Your browser does not support the video tag.