يرى البعض أن الصرامة والقيم الثابتة التي تطبق على الجميع بعدالة مهما كانت الظروف أو الأشخاص هي الأجدى والأبقى التي تجعل القائد يكسب الحب والهيبة مهما كان قاسياً في قراراته، وهو حب ينمو مع التجربة رغم أنه قد يبدأ بكراهية ونفور الناس من السلوك الصارم.. هل «الواسطة» ضد القيم؟، وهل هي تتعارض مع مبادئ القيادة. هذه الأسئلة أثيرت في نقاش حول قيم القائد مقابل قيم المجتمع، فعادة ما تكون مواقف الناس مبنية على «العواطف» أكثر من العقل، وبالتالي ماذا سيكون موقف القائد من ضغوط المجتمع العاطفية. في حقيقة الأمر إن التفكير في موضوع «القيادة بالقيم» أو «بالحب» كما يحلو للبعض تسميته (وهو نوع من القيادة يعتمد على «القيم المرنة» التي تستجيب للظروف)، موضوع يفتح العديد من القضايا الأخلاقية التي تتقاطع مع الحياة اليومية للناس. فتحقيق العدالة مقابل الرحمة، على سبيل المثال، تقع ضمنه مسألة «الواسطة» التي لا تخضع للعقل أصلاً، وبالتالي تحدث إشكاليات لدى الكثيرين الذين يمارسون القيادة، فإما أن يكونوا صارمين وتتراجع قيمة حب الناس لهم، أو يكونوا متسامحين ولينين ويخسرون صرامة القائدة ومبدأ «العدالة». ولكن هل العدالة فعلاً تتعارض مع التسامح و»الواسطة»؟، وهل هذا التعارض يكون في كل الحالات أم أن هناك حالات من «الواسطة» هي أقرب للعدالة؟. القائد المرتكز على القيم المرنة عادة ما يبذل جهداً كبيراً للحكم على الأشياء قبل أن يتخذ قراراته والمبادئ عنده ليست «منظومة» ثابتة، بل هي تتشكل حسب الظرف الذي يفترض أن يتم فيها اتخاذ بعض القرارات وما قد يسمى تسامحاً في حالة معينة، ومع أشخاص معينين قد يسمى تفريطاً وفوضى في حالات أخرى رغم تشابه الحدث. على أن مفهوم «القيادة بالقيم» من حيث المهنج العام لا تعترف بما أقول هنا، لأنه يفترض أن يتم تحكيم المبادئ الثابتة مهما تغيرت الظروف. ويشير أنصار الصرامة وتطبيق المبادئ بحذافيرها دون النظر للظروف إلى القصاص وتطبيق القانون الذي لا يعطي العذر للمذنب. لعل السؤال الآخر هو هل الناس تفضل القائد ذا القيم والمبادئ الثابته أو القيم المرنة؟، يرى البعض أن الصرامة والقيم الثابتة التي تطبق على الجميع بعدالة مهما كانت الظروف أو الأشخاص هي الأجدى والأبقى التي تجعل القائد يكسب الحب والهيبة مهما كان قاسياً في قراراته، وهو حب ينمو مع التجربة رغم أنه قد يبدأ بكراهية ونفور الناس من السلوك الصارم. ولعل هذا الأمر هو الذي يجعل من القيادة نفسها أمراً مرتبطاً بالشخصية، لأن هناك الكثير الذين لا يستطيعون أن يتخذوا قرارت صعبة أو أنهم يستسلمون لأهوائهم الشخصية أو لضغوط المجتمع المحيط بهم، وهنا تكمن المشكلة لأن اختيار القيادات التي تحمل القيم الأساسية مسألة صعبة جداً، فليس من السهل أن يبقى القائد محافظاً على هذه القيم في ظل الضغوط التي تفرض عليه. الدراسات تؤكد أن من يقود بالقيم مرتاح الضمير لأنه يفرض المبادئ على الأهواء، ويحقق قيم المؤسسة التي يعمل بها ويعكس شخصيتها، حتى لو واجه صعوبات على المستوى الشخصي، لذلك وكما ذكرت فإن عملية اختيار القائد يفترض أن تخضع لاختبارت شخصية دقيقة، ويكون من تم اختياره قد تم تجربته في العديد من المواقف السابقة، وأرى أن من الضروري أن يكون هناك سجلات شخصية لمن يتوقع منهم القيادة في المستقبل لأن «السلطة» في يد القائد أما أن تكون نعمة إذا كان ذا مبادئ أو نقمة إذا كان يحكم أهوائه أو أنه يكون قائداً قريباً من الناس لكنه مفرط في مسؤلياته إذا كان يحمل قيماً «سائلة». المشكلة دائماً تكمن في الاختلاف الواسع بين المبادئ التي يؤمن بها القائد وكيف ينظر المجتمع لهذه القيم. الفرق بين النظرتين هو الذي يجعل من القيادة مسألة صعبة وتحتاج إلى ثبات وإيمان، وهذا لا يتكون عند الإنسان فجأة بل يجب أن ينمو معه منذ الصغر ويتشكل كجزء من شخصيته وتكوينه التربوي والمعرفي، وليس أمراً يمكن استحداثه لاحقاً. تربية القائد يجب أن تكون مبكرة جداً وليست مجرد دورات تعطى لمن هم في موقع القيادة، فهذا لا يصنع الإيمان ولا يوجد الثبات على القيم أثناء الظروف الصعبة. Your browser does not support the video tag.