ليس هناك حيوان، يرمز في عديد من الأدبيات العربية، للرعب مثل»الفيل»، مع أن هذا «الفيل»، بإمكان حشرة صغيرة، أو مجموعة كتاكيت بجانبه، أن تجعله، لا يتحرك من مكانه إلا بحذر بالغ! فدرجة قبول الفيل أو النفور منه، هي التي تعطي المؤشرات، على رضى، أو خنوع، أو غضب، أو ردة فعل الناس، وقد وجدت الفيل، يصور في عديد من هذه الأبيات، وكأنه يرمز، إلى حقيقة مادية أو واقعية، وليس رمزاً، من الرموز السياسية أو الاجتماعية، وقد اشتهرت قصة الفيل، في الحجاز، إبان الحقبة العثمانية، عندما كان الأشراف في ذلك العصر، يمثلون حكومة الظل! فقد كان فيل الشريف، يمثل آنذاك، هماً مقيماً للناس، ولأصحاب المحلات العامة والتجار. وهو يتجول في كل مكان على راحته، يمد»زلومه» على أي مبسط، ويدوس برجليه، على ما يكون في طريقه أو غير طريقه، يفر الناس من طريقه، ولا أحد يجرؤ، على الوقوف في وجهه أو التصدي له، فالفيل مشمول برعاية شريفية عالية، رعاية قوامها، حراس شداد غلاظ، جاهزون للفتك، بكل من تسول له نفسه، المس أو الاقتراب، من فيل الشريف! وقد جهزت لهذا الفيل، في قصر الشريف، مساحات خضراء، رغم قلة الأمطار، وغور المياه الجوفية، وصعوبة إخراجها، مع عناية صحية عالية، وجبات وحراس، يقدمون له الرعاية والحماية، وقد قيل: إن وفداً من تجار مكة، تكون لتقديم شكوى للشريف، ليرفع عنهم، أذى فيله، لكن رئيس الوفد عندما وجد نفسه، أمام الشريف، التفت خلفه قبل أن يبدأ في شرح الشكوى، فلم يجد أحداً من الوفد، ارتج عليه للحظة، ثم تماسك، فقال للشريف» لقد كان من المفروض أن يحضر معي مجموعة من زملائي التجار، ليلتمسوا منكم تزويج الفيل!، فقد أحزنهم، أنه يتجول وحيداً، ويأكل وحيداً، وينام وحيداً!» لكن فيل الحجاز، يختلف عن فيل بلدة «ترافينك»، التابعة لإقليم «البوسنة»، يوم كان تابعاً للأستانة، فقد عين على البلدة، والياً من غير أهلها، كان قادماً من» الأستانة»، تسبقه سيرته، المليئة بالقسوة والغموض، وبطموح لا يهدأ، للوصول إلى أعلى المراتب، وقد تحطمت كل هذه التطلعات، عندما شعر أهل القرار بذلك، حيث مات منتحراً، عندما راوده إحساس، بأنه سوف يستدعى، إلى مركز القرار، وهناك ربما ينفي وربما يتم التخلص منه، ليختار في النهاية الانتحار على فراشه، مودعاً هواياته الغريبة، وأبرزها رعاية فيل، قادم من إفريقيا، استقبل، وكأنه من كبار الأعيان، حتى وصل إلى مقره، في قصر الحاكم. وحالما وصل أحيط بعناية فائقة، وعين له قصر الوالي مجموعة من الموظفين، لهم مهمة واحدة، السهر على راحته، وتبديد غربته، ودمجه في مجتمعه الجديد، هناك من يرعى صحته ويراقب أكله وشربه، وهناك فريق كامل يرافقه في جولته اليومية، على الشوارع والأسواق والحدائق العامة، ويرأس هذا الفريق، شخص باطش، لدية تعليمات صارمة، بالفتك بأي شخص، ينوي إلحاق الأذى بالفيل، وقد أطلق لقب «فيل الفيل»، على هذا الحارس الباطش! وقد سبب هذا الفيل الكثير من الأذى لسكان «البوسنة»، أتلفت الكثير من البضائع، ولحق الأذى عدداً من التجار، الذين حاولوا حماية محلاتهم وما تحتوي من البضائع، حتى أن بعض التجار أصبحوا يغلقون محلاتهم، حالما يلمحون الفيل مقبلاً مع مرافقيه، يتقدمهم فيل الفيل. ومع تفاقم خسائر الأهالي والتجار، تم الاتفاق لتشكيل وفد، يقوم بزيارة قصر الوالي، لتقديم شكواهم ضد الفيل، وما يسببه لهم من أذى! وقد اختار الأهالي، خمسة من كبارهم، للذهاب إلى قصر الوالي، لينصفهم من الفيل، وفي الموعد المتفق عليه، لم يحضر سوى ثلاثة، وأثناء مسيرهم، شعر أحدهم بمغص، فلجأ إلى مكان منعزل تحت الأشجار، وهناك اختفى! وهكذا لم يبقَ من الوفد إلا اثنان، كانا يسيران، وفي نفس كل واحد منهما الخاطر نفسه» العدول عن الذهاب لتقديم الشكوى!»،إلا أن أياً منهما، لم يرد أن يكون البادئ، بالإعراب عما في خاطره! لكن أحدهما تلكأ، ثم اختفى قريباً من حدود القصر، حيث ألقى الحراس القبض على الرجل الأخير، الذي ادعى عند القبض عليه أنه، في طريقه لزيارة إحدى الأسر، للاتفاق على شراء شحنة خوخ من مزرعتهم! وفي اليوم الرابع لوفاة الوالي مات الفيل، وجدوه في الصباح الباكر، مكوماً في إحدى زوايا الحظيرة، وكان الوالي في وصيته، قد أهدى الفيل، للشاب الخلاسي، الذي لقبه الأهالي ب»فيل الفيل»، وكانوا يمقتونه، أكثر من مقتهم للفيل !»وهكذا حل الربيع على أهالي «البوسنة «بدون الوالي ودون الفيل، وتبدل الهلع والذعر شكلاً، كما تبدل القلق والاضطراب اسماً!»..»إلا أن الشارع والسوق في «ترافينك» كانا ينبضان بالحياة، مثل الدودة في قلب التفاحة التي سقطت عن غصنها !»قصة هذا الفيل، صورها وأبدع تصويرها، الكاتب اليوغوسلافي الكبير «إيفواندريتش»، عبر روايته القصيرة «فيل الوالي».. والأفيال، وأفيال الأفيال، ما زالت موجودة، فمثلما الحروب تلد بعضها، كذلك الأفيال!. Your browser does not support the video tag.