يحز في النفس، رثاء الرجال الصالحين الأوفياء، الذين تركوا بصماتهم مضيئة، تشع نور الصلاح والفلاح على مجتمعهم، فاستحقوا أن يكونوا أعلاماً بارزة في صفحات التاريخ، ونموذجاً فريداً يُحتذى به في العطاء اللامحدود، وفي مقدمة هؤلاء الرجال المربي الفاضل، والمعلم الجليل عبدالرحمن المشعل المدير السابق لمعهد حريملاء العلمي.. برحيله فقدت حريملاء أحد رجال التعليم الأفاضل، الذي عرفته منذ صغري، عندما كنت طالباً في معهد حريملاء، وخلال سنوات الدراسة التي امتدت إلى المرحلتين المتوسطة والثانوية.. أدركت أنه رجل مهيب، يتمتع بالوقار والاحترام والتقدير من الجميع بلا استثناء. لن أبالغ في القول إذا أكدت أن الأستاذ عبدالرحمن المشعل، كان يتمتع بخصال كثيرة، ومزايا حميدة، وضعته في مكانة عالية في نفس طلابه، ومن هذه المزايا الإيمان العميق بالله، ودماثة الخلق، وحسن المعشر، وطيبة القلب، فضلاً عن التواضع الذي زاده احتراماً وتقديراً ومحبة في قلوب الناس والطلاب وكل من عرفه أو التقى به. ولعل أهم صفات أستاذنا الجليل، أنه كان رجلاً حازماً في إدارته، صارماً في قراراته، لا يخاف في الحق لومة لائم، وهو ما جعله دقيقاً في عمله، ولا يمنعه هذا أن يكون شخصاً ودوداً وكريماً، يساعد الناس من حوله، ويقف بجانبهم، وله مواقف نبيلة كثيرة، تشهد على ذلك، يحفظها له كل من عرفه أو تعامل معه. وخلال فترة الدراسة، وتعاملي المباشر مع الأستاذ عبدالرحمن، أستاذاً فاضلاً وجاراً عزيزاً، تعلمت منه يرحمه الله الكثير من الخصال الطيبة، ومن أهم هذه الخصال، التي أرى أنها مفيدة لمجتمعاتنا اليوم، المحافظة على استغلال عامل الوقت، وعدم إهداره فيما لا يفيد، فلم يكن يرحمه الله يسمح لطلابه أن يهدورا الوقت في الأشياء التافهة، وأن يستثمروه جيداً في إثراء المعرفة، والنهل من ينابيع العلم الصافية، فزرع فيهم الإيمان بأن الوقت ثروة، تعادل ثروة المال والعمر، وهو ما جعله يكره السهر ليلاً، وحريصاً على الاستيقاظ مبكراً، ولا يؤجل عمل اليوم للغد. وكان معروفا عنه يرحمه الله أنه كان أباً مثالياً، ربى أبناءه على الفضيلة والمُثل والمبادئ القويمة، وقد بذل عناية خاصة واهتماماً مضاعفاً في تنشئة أبنائه على الأسس الإسلامية السمحة، وهو ما أثمر عن أبناء بررة، يتميزون بالتقوى، وأصبحوا اليوم قامات معروفة في سلك التعليم، وأساتذة أفاضل في الجامعات السعودية.. يضاف إلى ذلك، أن الفقيد يرحمه الله كان ماهراً في إدارته للمعهد العلمي، ويشهد له الجميع بقراراته الحاسمة، التي لا أعرفها عند غيره من المديرين، فبجانب الصرامة والحزم، تميز بالحكمة والتريث قبل اتخاذ القرارات المصيرية. وخلال إدارته المثالية، نجح معهد حريملاء العلمي، في تخريج أجيال عديدة، من بينهم قيادات معروفة ومشهود لها بالسيرة العطرة، يتولون اليوم مناصب مهمة في الدولة، مثل المعلمين وأساتذة الجامعات والمستشارين، ويدين كل هؤلاء بالفضل بعد الله، إلى أبي عبدالعزيز، الذي ندعو له بالرحمة والمغفرة، وأن يجزيه الله خير الجزاء، نظير ما قدم لوطنه ولطلاب العلم، وليس هناك ثروة يبقيها الإنسان بعد موته أكثر من محبة الناس، وهذا ما حرص عليه أستاذنا الفاضل عبدالرحمن المشعل، فكان رسول علم ومعرفة، وجدول عطاء وتضحية، ونعم المعلم. Your browser does not support the video tag.