وعادت قضية فصل النساء عن الرجال في اجتماعات المجلس البلدي إلى الواجهة وهي لم تغب، لكن بعد مرور عامين على الانتخابات البلدية واستقرار الحال لم يعد مقبولاً التجاوزات التي قامت بها وزارة الشؤون البلدية والقروية من ممالأة أولئك الذين يريدون تحجيم وإضعاف المكتسبات التي حققتها المرأة السعودية بدخول المجالس البلدية ناخبة ومنتخبة ومعينة، فقاموا بالضغط على الوزارة لتضيف مادة لم تكن في مواد اللائحة التنفيذية لتنظيم المجالس البلدية قبل الانتخابات وأضيفت تعنتاً بمجلس جدة بالتحديد، بعد الانتهاء من الانتخابات وبدء الدورة العملية بثلاثة أسابيع، وهي الفقرة 1 من المادة 107 التي تنص على «تخصيص قاعة اجتماعات مستقلة لأعضاء المجلس من النساء وتربط مع قاعة الاجتماع المخصصة للرجال من خلال الدائرة التلفزيونية التفاعلية». فألزمت المجالس كلها بفصل النساء عن الرجال وكلهن امرأة أو اثنتين وفي الرياض ثلاث، لتكون وسيلة التواصل شبكة تلفزيونية مغلقة ومدخل خاص ومصعد خاص وغرفة أشبه بالحبس الانفرادي تقضي فيها العضوة المنتخبة من النساء والرجال مدة الاجتماع فيها، بينما التسعة والعشرون عضواً الآخرين يستمتعون بالجلوس في الصالة الرئيسة للاجتماعات يناقشون ويتخذون القرارات وقد يلقون بالاً بين الفينة والأخرى إلى الشاشة التي تمثل العضوة التي يُخشى منها أو يُخشى عليها منهم فيجاملونها برد أو اثنين. لا ندري كيف تُقبل هذه المعايير وتسري في أوساطنا العملية كل هذه العشرات من السنين دون وازع بل بفخر عجيب وكأننا من اخترعنا الشبكات التلفزيونية وتمديداتها الفايبرية والبصرية. وبالعودة إلى «أين تجلس مخلوقاتنا الفضائية؟» (مقال كتبته حول هذا الموضوع في الرياض في 17 / 1 / 2016)، فقد تبنت مشكورات عضوات مجلس الشورى السيدات د. نورة المساعد ولينا آل معينا وعالية الدهلوي توصية بإلغاء فقرة اللائحة التنفيذية لنظام المجالس البلدية المذكورة أعلاه، حصلت الثلاثاء الماضي على أغلبية أصوات لكنها لم تكفِ لتنجح. ومن المؤسف أن نضطر إلى رفع قضية بسيطة وهامشية كهذه إلى مجلس الشورى بعد أن فشلت كل المساعي الحميدة الأخرى من الكتابة للوزير والكتابة في الصحافة وإرسال البرقيات لمدة عامين كاملين دون جدوى. وحتى المقارنة بمجلس الشورى وما أقره من آلية في التعامل بين النساء والرجال في الفضاء العملي العام، لم يكن مجدياً، كما لم تتم مراعاة الصالح العام والمتغيرات التي سمحت للنساء بدخول المجالس البلدية والمشاركة في الشأن العام كمواطنة وليس كأنثى، وما فتئت الفجوة بين الجنسين تزداد اتساعاً في خلط واضح لبعض المسؤولين بين الفضاء العام والفضاء الخاص. ومن جانب آخر فإن فقرة إلزام الفصل تحمل العديد من المخالفات للسياسة العامة التي تنتهجها المملكة في المشاركة النسائية الرسمية وعلى رأسها مجلس الشورى ومجالس المحافظات والمجالس التجارية والعلمية والاستشارية الأخرى التي تحضر فيها المرأة مع الرجل على طاولة الاجتماعات صنوه وشريكته، ناهيك عن مخالفة رؤية 2030 التي تنص على الشراكة الكاملة للمرأة مع الرجل في بناء وطنها دون تهميش أو تمييز. وما قصر النساء على قاعة منفصلة دون ترك الخيار لهن في ذلك إلا تمييز غير مقبول وتعسف في ممارسة سلطة اجتماعية انسحبت على الرسمية، نطالب اليوم برفعها وإقرار حق الاختيار. ولم يعد يتسع المقام هنا للحديث عن سلبيات استخدام وسائل الدوائر التلفزيونية على المرأة ومشاركتها الحقيقية في اتخاذ القرار، في الاجتماعات أو المؤتمرات أو الدراسة وغير ذلك من وسائل توسعنا فيها بلا حساب، وأتركها لمقال آخر. Your browser does not support the video tag.