عشرات النتائج يقدمها محرك البحث جوجل لصُناع الصحافة حول العالم بمجرد النقر على زر "بحث"، مع إيداع بضع كلمات مُفتاحية بينها "الصحافة" و "المستقبل". تعكس الكلمات المفتاحية غالبًا توتُر الصُناع بشأن المواجهات المُحتملة بين العالم الصحفي وتكنولوجيا مواقع التواصُل الاجتماعي التي تحمل في طياتها تهديدًا كبيرًا له، كما تحمل في ذات الوقت فُرصة عملاقة لو وعى الصُناع مُفردات المشهد التقني جيدًا الذي أصبح أخيرًا لا ينفصل والممارسة الصحفية. أحد المفاهيم التي يبشّر بها المختصون لتسود عام 2018 الجاري مفهوم "التعليب" بين عدد من التوقعات المُرشحة لتُعنون العام تقنيًّا. إذن.. السؤال الجدير بالطرح الآن "وما علاقة الألعاب بالصحافة؟"، ببساطة التلعيب مصطلح صُك حديثًا للتعبير عن آلية تطويع تكنيكات اللعب لأغراض سوى اللعب، قد يكون التعليم أحد هذه الأغراض، وقد يكون الإعلام أيضًا، المُهم هو أن تتزاوج المعرفة والمتعة لإيصال المعلومة للمتلقي في إطار منسجم. باختصار، قد يحصل القارئ أو المتلقي على المعلومة الصحفية ضمن أحجية أو اختبار للمعلومات أو بتتبع أسلوب مُحاكاة مدعوم بالوسائل البصرية والتقنية المطلوبة، فتُصبح مهمة قراءة النص أقل وطأة وأكثر إثارة بما لا يخل بقيمته الخبرية والمعرفية. استخدام وتطويع الألعاب في الطرح الصحفي الإلكتروني يبدو بالضرورة أفق مغاير يُفتح أمام الصحافة، ويخلق نمطاً جديداً من التفاعل بين القارئ والمنصة الصحفية مُباشرة دون وسائط، ويحول الخبر من مجرد سطر عابر نمر عليه مرور الكرام على مواقع التواصل إلى تجربة يُعايشها القارئ ويرتبط بها، لكن قد تقدم المؤسسات الصحفية أمام التجربة ثمنًا باهظًا، أولاً على الصعيد المادي، من حيث تكلفة بناء طواقم عمل جديدة يندمج فيها المطورون والمصممون والمحررون لبناء عمل واحد متكامل، إضافة لتأثير الزمن اللازم لإنتاج العمل ذاك على دورة العمل الصحفي السريعة.. آخرون يخشون كذلك على الصورة الذهنية للمؤسسات العريقة الكبرى لدى الجمهور وكيف قد تتأثر حال بات من المألوف ظهور ألعاب المُحاكاة على صفحاتها الرئيسية. كل مسببات التخوُف والنفور التي قد تحول بين الصحافة وبين اعتماد التلعيب منهجًا ووسيلة عرض جذابة وضعتها مؤسسات صحفية كُبرى في كفة، ووضعت إدراكها لضرورة التطوير وحقيقة أن من لن يطوّر نفسه سيكنسه واقع صحفي تنافسي جدًا في كفة أخرى لتنحاز للتجريب وإشراك القارئ في لعبة معرفية ممتعة في نفس الوقت. من بين الصحف الكُبرى التي لجأت للتلعيب صحيفة نيويورك تايمز التي اعتمدته مُبكرًا في عام 2014 في لعبة "أنت ترسمها"، وطُرحت خلال عام 2015 ومازالت مُستخدمة حتى اليوم وتم تطويعها لعرض موضوعات سياسية الطابع والاقتصادية كذلك المتعلقة بمعدلات دخل الأفراد وكذلك قضايا صحية، الملفت في الأمر أن التجربة الصحفية غير مطروحة أغلب الأحيان للمطالعة من قبل المُستخدم الاعتيادي، بل المشتركين فقط بموقع الجريدة الأمر الذي يوضح كيف يمكن أن تُسخر الأداة لخدمة الصحيفة الأم مباشرة. هل هناك ضمانة نجاح القصص المشفوعة بالألعاب في منطقتنا العربية؟، في حقيقة الأمر كل تجربة تحمل في ذاتها عوامل مُرجحة للنجاح أو الفشل، لكن ربما ما تحتاجه مؤسساتنا المحلية هو فضيلة المرونة، والإقدام على الابتكار والخروج عن الأنماط التقليدية.. في أحد الأوراق البحثية الصادرة عن جامعة كولومبيا الأميركية قدم باحث دكتوراة بعض من النصائح لصناع الصحافة في مجال تدشين أروقة لصحافة التلعيب من بينها، أهمية إعادة تدوير الأفكار داخل صالة التحرير بمرور السنوات، فبين عام وآخر ما لم يكن يصلح بالأمس بات مناسباً لجمهور اليوم.. كذلك العمل على تكوين طواقم العمل المدمجة، فالمحرر بالأمس اليوم يتعين عليه اليوم الحصول على الحد الأدنى من المعرفة بأعمال التطوير والبرمجة والتصميم، لينصهر الجميع تحت بوتقة واحدة من التعاون الخلاق. * مدير إدارة الإعلام الإلكتروني Your browser does not support the video tag.