يقول قيس بن الملوح: أيا شجر الدوم الذي في ظلاله غزالان مكحولان مؤتلفان ويقول امرؤ القيس: فشبهتهم في الآل لما تكمشوا حدائق دوم أو سفيناً مقيرا لأشجار الدوم التي تقع على وادي أبو القزاز بطول يصل إلى حوالي عشرة كيلو مترات وبعرض وتعرجات متفاوتة قصة ورواية، رافقت دروب الحاج القديمة المصري والشامي والمغربي، تأخذ من بطن الوادي مساحة مستطيلة من أشجار الدوم الباسقة الطول، تجتمع كل سبعة وثمانية وعشرة كحزمة يتخيل إليك من بُعد أنها جذع واحد بشكل دائري من الأسفل، لتتباعد عن بعضها كلما ارتفعت للأعلى فتعطي منظراً جميلاً وظلاً وافراً، تتأمله حين تقترب فترى جمال وإبداع الخالق فيها ذكرها الجزيري في كتابه (الدرر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطرق مكة المعظمة) صفحة (146) الباب الخامس الجزء الثاني في ذكر أبو القزاز ما نصه (ومن الأزلم طريق متسع حسن السلوك يسمى عند العربان درب أبي القزاز، اسم لحفائر ماء حُلوة، تروي الحاجَّ، ويستغنى بها عن ورود ماء الوجه). كما ذكرتها كتب المستشرقين والرحالة الأوروبيين مثل الفرنسي موزل، والبريطاني لورنس، وتشارلز دوتي وغيرهم، فأثنوا على طبيعة وادي أبو القزاز، وغابة الدوم التي حباها الله بجمال ساحر، رافقت رحلات الحجيج، وكانت شاهداً على قصصهم، ومنهم الخديوي عباس حلمي الثاني، الذي استراح فيها في رحلة حجه، كما ذكر ذلك البتنوني في كتابه رحلة الحج الحجازية. ولأسباب طبيعية وبشرية دُمر أو أُبيد جزء كبير منها، فمن الأسباب الطبيعية حين أرّخ الأجداد عام 1406ه. ب( سنة السيل) على ضوء ما حصل فيه من سيول جارفة غيرت في ملامح الوادي ومنها ما حصل من ضرر لغابة الدوم. كما أصابها في عام 1426ه. حريق مدمر ما زالت آثاره بادية فيها حتى يومنا هذا. استمر وما زال التدمير مستمراً بإزالة مساحات من هذه الأشجار والاستزراع مكانها، رغم أنه بالإمكان القيام بالزراعة دون تدمير هذه الأشجار الطبيعية، لما تحويه أرض هذا الوادي من مساحات واسعة صالحة للزراعة. وعلى ضوء ما لاحظته، توضح آثار الآلات الثقيلة والسيارات مدى التخريب في هذه الغابة ذات الأشجار الباسقة الجميلة، وما كانت تحويه من حياة فطرية يذكرها الأجداد، من قطعان الوعول، والغزلان، والأرانب، وبعض أنواع السباع، وأنواع الطيور المهاجرة مثل الصقور والحباري. ولهذه الأشجار مكانة عند سكان وادي أبو القزاز فهم يعتبرونها رمزاً كبيراً في حياتهم، فهم يذكرون كما يذكر أباؤهم وأجدادهم أنها صلة للتواصل بين الأجيال. ولثمرة شجرة الدوم دور كبير كبديل للطحين في أيام القحط، فمن ثماره يستخرجون منه مادة كالطحين وبلون بني، تتساقط بحك الثمر وجمعه، وعجنه بالماء وعمل منه الخبز، أو يقومون بدعكه مع التمر كنوع من الحلى، ويذكر الأجداد أن لثمرة الدوم علاجاً طبياً للبطن، وعلاجاً لأمراض الصدر، لذلك يُقدم للمرأة النفاث مع التمر أو كخبز مع التمر والسمن. ما زالت غابة الدوم في وادي أبو القزاز محتفظة بجمالها إلا أنها تحتاج لمن يرأف ويقدم لها العناية، لتبقى رمزاً لطريق ديني عبره الحجاج في عصور غابرة، ورمزاً طبيعياً يقدم الدليل القاطع على تنوع الجغرافيا النباتية في المملكة العربية السعودية وجمال طبيعتها الخلابة منذ الأزل. ما زالت غابة الدوم في أبو القزاز بمنطقة تبوك تصارع من أجل البقاء من محاولة إبادتها، دون النظر لتاريخها العريق الضارب في القدم، والطبيعة التي تزيد جمال الأرض ولا تجد من يفز لإنقاذها. ومن قصيدة للشاعر حمد بن عيش قرفان البلوي: والا الثريا طالعة بالمحاري يا الله عساها تسقي النجد بملاه تسقي بدا وأبا القزاز الحداري وتاصل ورا قبيقب وا وجْد روحاه ترعد على السرين وتملا الخباري ويسيل وادي أشواق للي تلقاه النجد بفتح الجيم، وبدا، وأبا القزاز، وقبيقب، والسرين : أودية قريبة من أبا القزاز. شجر الدوم Your browser does not support the video tag.