للدرسِ اللُّغويِّ حضورٌ في الأطالسِ التاريخيَّة، منذُ عصورٍ متقدِّمةٍ للّغة تتمثلُ في الجانبِ التطبيقيِّ للغةِ، واستقرائها، وجمعِها، وتحديدِ القبائلِ الَّتي تعتمدُ عليها في الإعرابِ والتَّصريفِ، ومن ذلك قولُ أبي عمروٍ بنِ العلاءِ: ( أفصحُ النَّاسِ عُليا تميمٍ، وسُفلى قيسٍ)، ونحو ما ذكره أبو زيدٍ الأنصاريِّ: ( أفصحُ النَّاسِ سافلةُ العاليةِ وعاليةُ السافلةِ )، يقصدُ عَجُز هوازن، وما نصَّ عليه اللُّغويونَ بأنَّ قريشاً أجودُ العربِ انتقاءً للأفصحِ من الألفاظِ، وقد حدَّد العربُ القبائلَ الَّتي يعتمدُ عليها في الإعرابِ والتَّصريفِ، وهي: قيسٌ – وتميمٌ – وأسدٌ – وهذيلٌّ – وبعضُ كنانةَ وبعضُ الطائيينَ بل ذهبتْ الأطالسُ التاريخيَّةُ إلى أبعدِ من ذلك عندما حدَّدت القبائلِ الَّتي لا يُعتمدُ عليها في الإعرابِ والتَّصريفِ؛ لسببِ موقعِها، كعدم أخذِ اللُّغةُ من لخمٍ ولا من جذامٍ؛ لمجاورتِهِما أهلَ مِصْرَ والقبط، ولا من قُضاعةَ ولا من غسانَ ولا من إيادٍ، فإنَّهم كانوا مجاورينَ لأهلِ الشامِ وأكثرُهُم نصارى. ومن هذا، فإن للأطالس التاريخيَّة دوراً في جمع اللُّغة، وتوثيقها، وتأصيلها، وللأطالسِ اللُّغويَّةِ على وجهِ الخصوصِ مصادرُ لا يمكنُ الحصولُ عليها إلَّا بجهدٍ وعناءٍ، بل بعضُها مفقودٌ، ومن هذه المصادرِ: 1- الشعرُ الجاهليُّ وما بعدَه، وتعددُ الرواياتِ فيه . 2-وكذلك بعضُ النقوشِ والكتاباتِ الموثَّقةِ - كالكتاباتِ الثموديَّةِ - والَّتي تعدُّ وثيقةً لغويَّةً يتناقلُها الدارسون، بل بعضُ الرسومِ محفورةٌ بالصخرِ تعودُ إلى فتراتٍ مبكرةٍ من الألفِ الثاني( ق. م ). 3- وللأطالسِ دورٌ في تحديدِ بعضِ مراحلِ الكتابةِ العربيَّة، كمرحلةِ الكتاباتِ التصويريَّة ، ومرحلةِ المقاطعِ، والكتابةِ الفينقيَّةِ. ولم تخلُ الأطالسُ التاريخيَّةُ من ( الدرسِ اللُّغويِّ ) بل بواكيرِ الدرسِ اللُّغويِّ كجهودِ الخليلِ بنِ أحمدَ الفراهيديِّ في التأليفِ المعجميِّ، وكذلك التأليفِ العروضيِّ، وتلميذِهِ سيبويه في التأليف النحويِّ والصَّرفيِّ، وأبي عبيدةَ بنِ المثنى في تصنيفِهِ البلاغيِّ . وقد أشارتْ الأطالسُ التاريخيَّةُ إلى طرقِ جمعِ اللُّغةِ العربيَّةِ، والتأليفِ المعجميِّ ومرَّت هذه الطرقُ بثلاثِ مراحلَ، هي: 1- جمعُ العربيَّةِ مشافهةً من أفواهِ العربِ في البوادي. 2- جمعُ الكلماتِ المتعلقةِ بموضوعٍ واحدٍ، مثل: النخلِ والشاءِ والإبلِ للأصمعيِّ . 3- وضعُ معاجمِ المعانيِّ في مدارسِهِا المتنوعةِ، ومن هذا فإنَّ الدرسَ اللُّغويَّ في الأطالسِ بُعدٌ تاريخيٌّ. Your browser does not support the video tag.