منذ اليوم الأول من وصول الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى سدة الحكم، والمراقب للمشهد السعودي يرى هناك تحركات وتغييرات جذرية سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي؛ فالإستراتيجية السعودية التي تنوي اتخاذها باتجاه الشرق الأوسط، تلك المنطقة التي تشهد يوماً بعد يوم مزيداً من الغموض وتشابك المصالح والقتل والتدمير والانفصال، وانتشار بؤر الإرهاب، تعتمد من خلال الدور الإقليمي المركزي التي تلعبه السعودية في المنطقة، ودورها في حفظ الأمن والسلم الدوليين. في حين أن ممارسات النظام الإيراني القمعي وعبثها في الدول العربية في العراقولبنان واليمن، من خلال وكلائها وعملائها أصبحت خطيرة، فالنظام الإيراني لن يرتاح له بال بعد أن يرى سقوط الدول العربية واحدة تلو الأخرى، وذلك للسعي خلف أطماعه وطموحاته التوسعية، إلا أن المملكة العربية السعودية منذ عام 1979 تعتبر النظام الإيراني هو المهدد للنظام الإقليمي والدولي بسبب أيديولوجياته التوسعية والتخريبية، الذي لا يزال متخبطاً بعدم استطاعته للتحول من أسلوب الثورة إلى منطق الدولة؛ فتصرفات النظام الإيراني تثبت تلك النظرية، فهو النظام الوحيد في العالم الذي يهاجم البعثات الدبلوماسية، وهو الذي يدعم الجماعات المتطرفة كالقاعدة والحشد الشعبي وغيرها. كذلك هو الذي يدعم حالة اللا استقرار في الدول لاسيما العربية، فلا يمكن تنفيذ المخطط أو الإستراتيجية الإيرانية في المنطقة إلا بتلك التصرفات. إلا أن المملكة رأت التهديد الحقيقي يتمثل في جنوبها بعد التفاف النظام الإيراني عليها، لنقل ساحات فوضى على حدود السعودية الجنوبية لإشغالها بالملف اليمني، ومحاولة تكوين حزب الله ثانٍ على حدودها مع اليمن إلا أن المملكة كانت جدارًا صادًا لهذا الطموح التخريبي، ففي مارس 2015 أعلنت عاصفة الحزم من قبل الملك سلمان، لقيام عملية العسكرية التي وصفها الكثير بالرادعة للنظام الإيراني الداعم للحوثيين، وبداية مواجهة المشروع الإيراني، الذي يريد تغيير الوضع الراهن ومحاولة تحرر النظام الإقليمي وإعادة تشكيله وفقاً لمصالحه والسيطرة على الإقليم، ومع وصول ترمب للبيت الأبيض بدأ بتنفيذ إستراتيجيته عن المنطقة، التي سبق وأن أعلن عنها أثناء فترة الانتخابات، فترمب يرى في النظام الإيراني النظام المهدد للمنطقة وللمصالح الأميركية، فاتفقت بذلك مع السعودية في ضرورة مجابهة إيران وتجفيف منابع الإرهاب الدولي التي تعتبر إيران أحد روافده. وبعد النجاح الكبير في (قمة الرياض)، الذي استطاعت السعودية من خلاله حشد 57 دولة إسلامية وعربية، وإقامة ثلاث قمم على مستوى عالٍ، والذي كانت مخرجاته مواجة الإرهاب الدولي، ومحاسبة داعميه، وبذلك بدأت السعودية بالعراق، حينما تم التواصل مع المسؤولين العراقيين وتبادل الزيارات معهم، وإيضاح رئيس الحكومة العراقي حيدر العبادي رغبته الحقيقية في الارتقاء بالعراق لاسيما بعد الانتصار الكبير الذي حققه الجيش العراقي على داعش الإرهابية. وتوجت هذه الاتصالات والزيارات بإنشاء مجلس تنسيقي بين السعودية والعراق. وبعد الانتهاء من العراق اتجهت الأضواء إلى لبنان وبالتحديد إلى حليف إيران حزب الله، الذي تلطخت يداه بالدم السوري البريء بعد مساندة نظام بشار، فبعد استقالة رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري، بعد أن كشف مرفقوه بوجود خطة لاغتياله، فحان الوقت لتحجيم حزب الله، وتخليص اللبنانيين والمنطقة من إرهابه. وفي اليمن صرح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مؤخراً أن محاصرة الانقلابيين مستمرة إلى أن يتم تطبيق القرار الأممي 2216 الخاص بالأزمة اليمنية، وأشار الأمير محمد أننا لا نريد حزب الله ثانياً في اليمن. كل ذلك إضافة إلى العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران من قبل الولاياتالمتحدة، وإضافة الحرس الثوري إلى قائمة الإرهاب بعد تورطهم في الحرب بسوريا، وكذلك في العراق. فحددت الإستراتيجية السعودية خطوطها العريضة بتمحورها حول إيران التي تعبر من قوى الشر، والتي تسعى جاهدة لتغيير الوضع الراهن. فبحكم واجب السعودية انطلاقاً من ثقلها الإقليمي، لحماية أمنها القومي ومصالحها وحماية المنطقة من كل من يريد المساس بالأمن والاستقرار، اتخذت إستراتيجية المواجهة، والتي تكون فاتورتها عالية بحكم أنها تدخل حرباً مباشرة وحروباً بالوكالة إلا أنه الفائدة ستفوق كلفتها، والمملكة هي الأقدر عربيّاً على فعل ذلك. Your browser does not support the video tag.