عندما تصل إلى هدفك لن تجده كما توقعته. زالت عنه بهجة التخيلات والنظرة الرومانسية. وما يزيد الأمر مرارة أن اهتمامك قل وربما تلاشى. في بداية الشباب تكون طموحاتنا مادية. سيارة سفر شهادة.. إلخ، نطمح في هذه الأشياء وصورتنا كشباب تملؤها كأننا سنحصل عليها في نفس العمر ونفس الخبرة ونفس المعرفة مع نفس الأصدقاء. عندما ندركها بعد سنوات سنكتشف أنها تغيرت ونحن تغيرنا. لم تعد السيارة الرياضية التي تثير إعجاب الشباب والشابات تليق بأب لثلاثة أطفال ومدير في إدارة. حتى السيارة التي كانت في الحلم اختفت من الشوارع. نصل دائماً متأخرين عدة سنوات كما هي حال جميع البشر. يخطط الإنسان في بداية حياته للحصول على بيت. سيكون في البيت خلال عشرين سنة. بعد أن يدخل في الأربعين. خرج الأبناء من طموحاته وانتقلوا إلى طموحات تخصهم. لم يعد يراهم يركضون في بيت الأحلام ولم يعد يرى تلك الجلسات على المسبح أو في الحديقة التي لاكها كثيراً في خياله. لم يعد هو ذلك الشاب الجسور ولم تعد المدام تلك الزوجة الرشيقة. تحققت الأحلام في ظل غياب كل الأطراف الذي نشأ الحلم من أجلهم. أصبح الجميع أشخاصاً آخرون. هكذا تمضي الحياة. ما أن تصل إلى ما سعيت إليه حتى تتأكد أن ما كنت تتمناه لم يعد موجوداً في قائمة رغباتك. من سوء حظنا ومن حسن حظنا أيضاً أننا نعيش في عالم متغير. كل شيء يزول ويتغير مع إدراكك أن هذا التغير سيحدث. هذا الحق لم يكن متاحاً في الماضي. كنا نشتري الأشياء على أساس أن تبقى معنا عمراً طويلاً. صممت مكتبي في بيتي في الرياض قبل عشرين سنة على مقاسي ككاتب. وضعت الأشياء كما كنت أتمنى أن تكون وأن تبقى معي العمر كله. الكتب والموسوعات والكمبيوتر والتلفون وجهاز فاكس وشاشة تلفزيون واسعة. غرفة عمليات كاملة. مكتب يليق بكاتب يعيش في أوائل التسعينات الميلادية. خسرت لبلوغ ما أريد مبلغاً كبيراً. في أيامي هذه لا أحتاج من هذا المكتب سوى سطح المكتب ومكبس الكهرباء وشبكة انترنت وجهاز كمبيوتر تابلت. تدنت علاقتي بالكتب والمطبوعات الورقية. سهولة الاقتباس من الكتب الإلكترونية وسهولة التناول والتنقل وتنوع المصادر أحدثت ثورة في حياتي وحياة بقية البشر. ما يحدث اليوم من تغير سريع في المقتنيات والتقنيات يتفق مع تغير العمر (السريع أيضاً). تكبر ويكبر معك العالم المادي من حولك. لا تأسف كثيراً أن تركت شيئاً تحبه وراءك لأن الزمان تركه أيضاً. أتحد ماضيك مع ماضي الأشياء. لم يعد للحنين مكاناً في أي مكان. عمر الجهاز الذي تقتنيه سنتين ثم تفترقان دون أسف. نعيش عالماً بلا ماضٍ وبلا مستقبل. Your browser does not support the video tag.