«ووتر ماسي بليز. باتْ كويكلي»، «يس مادام!». وانصرفت ماسي لإحضار كوب الماء، ولكنها لم تنس أن تهز رأسها تلك الهزة التي تمقتها «المدام»، ولماذا تمقتها؟ ذات سهرة، هزّت ماسي رأسها، فتماوج شعرها الأسود الطويل المنسدل، واسترعى انتباه جموع أصدقاء وصديقات «المدام». بعضهم خطف أكثر من نظرة سريعة وتهامس بعضهم الآخر ثناءً على تفاني ماسي... وعلى خفتها ورشاقتها! وعلى رغم أن «المدام» كثيراً ما تشتبك مع ماسي في حوارات مشحونة ومتوتّرة، لا تفكر الأولى في تبديل الثانية، حالياً. فلا يُعقل أن تجلس مع زوجات علياء القوم، ولدى كل منهن سيلفيا أو جانيت... وهي لديها جمالات وعطيات! ماسي هي واحدة من مئات الخادمات الفيليبينيات في مصر، وصل بعضهن من دول الخليج مع مخدوميهن، وبعضهن الآخر بطرق ملتوية وغير قانونية، لا سيما أن ثمة قراراً رسمياً يحظر استقدام الخادمات الأجنبيات. وهو قرار لا يخرقه أو يلتف عليه سوى النافذين. إذاً، «المدام» تبقي على ماسي لأسباب اجتماعية ونفسية وتربوية بحتة، فابنها الصغير الذي لا يتعدى عمره الخمس سنوات شديد التعلق بها. الضرب لا محل له في ذلك المنزل، إلا أن العنف يتّخذ فيه أشكالاً مختلفة، فالسيدة تعنف الخادمة نفسياً كلما استطاعت، إن لم يكن بالكلام، فبنظرات الغضب المطعّم بالغيرة. ولسوء حظ ماسي، أن زوج «المدام» - «المستر» - يحسن معاملتها، ويجزل لها العطاء، ما يشعل نيران الغضب مع تأثيرات جانبية، مثل حرمانها من يوم العطلة الأسبوعية، او مطالبتها بالمشاركة في الأعمال المنزلية الشاقة التي هي من اختصاص زميلتها المصرية أم طارق. في المقابل، يختلف تعامل «المدام» مع أم طارق تماماً. ومع أن أم طارق في أمس الحاجة إلى المال، لا أحد يستطيع أن يجبرها على العمل من دون إرادتها. وقد نشبت خلافات كثيرة بينها وبين ربة المنزل فتقسم بألّا تعود، ولكنها لا تلبث أن تفعل، بعد وقت قصير. أم طارق مقتنعة بأن «المدام» لا تقوى على لي ذراعها، لأن ليس لديها نقطة ضعف، مثل جواز سفر تحتجزه السيدة، ومقتنعة بأن السيدة لا تتأخّر عن دفع راتبها، وإلّا اختفت من جديد. علاقة «المدام» بكلتا الخادمتين ماسي وأم طارق علاقة حب وكراهية. الحب فيها يعني حاجة «المدام» إلى خدماتهما في تنفيذ الأشغال والرعاية والثقل الإجتماعي، والكراهية فيها أمر واضح، فالأطراف الثلاثة، أي السيدة والخادمتان، لا يتطايقن. وفي المقابل، ماسي وأم طارق تلعنان الساعة التي أقدمتا فيها على هذا العمل، وسوء حظّهما وقدرهما! ولت أيام زمان التي كانت تشهد نشأة فتيات صغيرات في بيت مخدوميهن. يتعلمن من «الست الكبيرة» أصول الطهو والتنظيف والتربية، ولا يبارحن هذا البيت إلا وقت زواجهن، ونفقته على حساب «سيد البيت»، بعد أن تكون «الست» قد جهزت الخادمة العروس بكل مستلزمات الزواج. وقد تعود العروس إلى ذلك البيت مجدداً لمواصلة العمل، وتربية أحفاد الأولاد الذين سبق وربتهم صغاراً. وهذا حلو تلك الأيام، وكان لها جانب مر... مهنة «الخادمة» نفسها تغيرت وتبدلت وتقلصت أعداد الفتيات اللاتي يقبلن أو يقبل ذووهن أن يقمن إقامة كاملة لدى المخدومين. والظاهرة المنتشرة حالياً هي العمل لعدد من الساعات بصفة يومية، ما يتيح لكثيرات أن يتكتّمن عن طبيعة عملهن أمام الأهل والجيران والخطيب. ونسبة كبيرة منهن يشترطن على «المدام» السرية في التعامل معهن، وعدم الاتصال بهن على هاتف البيت، لأن «بابا يعتقد أنني أعمل في حضانة»، أو «أخي يعرف أنني سكرتيرة في مكتب محاسبة»، أو «خطيبي لو عرف بحقيقة عملي ستكون فضيحتي بجلاجل أمام أهله». ولأن الغاية تبرر الوسيلة، فإن «المدام» تقبل بشرط السرية حتى تنجز أعمال البيت، والخادمة تقبل العمل في هذه المهنة «الدونية» لأسباب مادية بحتة.