لا شك أن الحروب آفة وشر كبير ومخاطرها عظيمة، حيث الدمار وخراب الديار وسفك الدماء والآلام والأحزان، ولا أحد يتمناها أو يسعى إليها، ولكن مع ذلك جعل الله سبحانه وتعالى في رحم كل محنة منحة. ومن المنح التي يمكن استخلاصها من الحروب رغم ويلاتها ومآسيها أنها: تصنع تاريخ الشعوب وتوثقه، تطور الثقافات وتزيد من التراكمات المعرفية، تفرض الثقافات فتسود ثقافة على ثقافة، تعلي من شأن عرق وتحط من شأن عرق آخر، تطور من الاقتصاد وتجعله متحركاً دائماً، تقلل من العنف ومن الجرائم داخل الدولة، تصنع الانتصارات وتزيد من ثقة الشعوب في نفسها وتوثق علاقة الشعوب بحكوماتها، تفرض هيبة الدولة على الدول الأخرى، تمنع الدول الأخرى من محاولة التدخل أو الاعتداء، تصنع الأبطال، تحرك العزائم المتبلدة بسبب الرفاهية، تفرض القناعات وتجعلها هي الحقيقة المطلقة، تصد القناعات المعادية وتمنعها من التمدد، تصنع الأصدقاء الخائفين والأصدقاء الطامعين والأصدقاء المتملقين والأصدقاء المتربصين وتحيِّد الأعداء الضعفاء، تطور الصناعات الثقيلة والخفيفة، تطور الصناعات العسكرية والمدنية، تحقق الرفاهية، تدمر العدو، تحقق السلام، تبني حدوداً لسلوك الدول تجاه بعضها، تمنع إذلال الشعوب وامتهان كرامتها، تقوي الشعور بالإيمان وتثبت عقائد الشعوب، تشبع الشعور بالانتقام من العدو، تقوي التجارة البينية بين الشعوب عندما تحقق الأمان لإقليم أو لعدة أقاليم، تقلل من الزيادة السكانية، تقوي الشعور بالإنماء والوطنية، تقوي الشعور بقيمة الأسرة، تقوي العواطف بين الرجل والمرأة، يحقق الانتصار فيها السعادة والفرح للشعوب، تمكن الشعوب من استشراف المستقبل بإمكانيات ومعارف أكبر وبإرادة أقوى. لذلك نرى أنه من الواجب على من تفرض عليهم الحرب، الثبات والإفادة من دروسها واستثمار محنها الشديدة، وتحويل ذلك إلى منح تعزز القوة والنهضة والتشييد والبناء؛ وهنا يكمن الانتصار! أخيراً، يقول الله تبارك وتعالى: "كتب عليكم القتال وهو كره لكم، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون". Your browser does not support the video tag.