الإصلاح الاقتصادي في أي مجتمع عملية شاقة في تحمّل تبعاتها، ومكلفة في التعاطي مع ردود الفعل تجاهها، وتحتاج إلى وقت طويل نسبياً حتى تتضح جدوى سياساتها وإجراءاتها وقراراتها على واقع السوق في نموه وازدهاره، ولكنها تبقى رغم كل هذه التحديات حلاً أمثل لمعالجة اختلالات العجز في الموازنة، وانخفاض الاحتياطات، وارتفاع نسبة البطالة والتضخم والدين العام وتعثّر المشروعات، وغيرها من المشاكل التي قد تكلّف الحكومة أعباءً إضافية بدون إصلاح في كفاءة الإنفاق، وتنويع مصادر الدخل، ومحاربة الفساد. البعد الاجتماعي في عملية الإصلاح الاقتصادي لا يقل أهمية عن أبعاد أخرى سياسية ومالية، حيث يعوّل على هذا البعد إعادة ثقافة المجتمع نحو الترشيد، وترتيب الأولويات، والمشاركة الوطنية مع الحكومة في تقبّل السياسات الجديدة على أنها حل لا بد منه، ولا يمكن التراجع عنه، وهو ما يعبّر عن الوعي المجتمعي لما هو قادم وليس الجمود في الاعتماد على ما هو موجود. نحن في المملكة اعتمدنا رؤية طموحة نحو 2030، وأعدنا هيكلة قطاعات، وأطلقنا مبادرات نوعية، ومشروعات حيوية، وكل ذلك بوتيرة سريعة كسباً للوقت الذي تأخرنا فيه كثيراً، حيث اتخذت الحكومة قرارها بالمضي في عملية الإصلاح، ولكن المجتمع أفراداً ومؤسسات كان بحاجة إلى وقت ليتواكب معها، ومسايرتها؛ مما نتج عنه فجوة بين ما هو كائن وما يفترض أن يكون. الحكومة كانت واعية لهذه الفجوة مبكراً؛ فسارعت إلى إنشاء حساب المواطن، ودعم القطاع الخاص بمحفزات مشاركة للنهوض، ثم أصدرت قراراتها بدعم اقتصاديات المواطن بإعادة العلاوة السنوية، وفرض بدل غلاء المعيشة، واستثناء التعليم والصحة والإسكان من الضريبة المضافة، وكلها قرارات لتجاوز تلك الفجوة مع الاستمرار في برنامج الإصلاح من دون تغيير، أو تأخير، وهو بلا شك قرار حكيم، وذكي، وسيحقق نتائج إيجابية في زيادة النمو، وضخ الأموال في السوق بحدود 50 مليار ريال، وتمكين المواطن من التكيّف مع الواقع الجديد للإصلاح. اليوم الحكومة تريد أن تأخذ المواطن إلى مرحلة جديدة من الاستهلاك إلى الإنتاج، وتساعده لينهض معها في مشروع تحول غير مسبوق، ومشاركة حقيقية في بناء اقتصاد متعدد في موارده، ومختلف في مشروعاته، ومتجدد في شراكاته، وهي مهمة ليست سهلة إذا ما قارناها بطبيعة وثقافة المجتمع الذي تعوّد على مدى عقود أن ينتظر الدعم الحكومي كحل لمشكلاته من دون أن يبادر في حلوله الذاتية وأهمها تغيير النمط الاستهلاكي. قرارات الملك سلمان في التخفيف عن المواطن غلاء المعيشة هو تعبير حقيقي أن العلاقة بين القيادة والشعب هي علاقة بين أسرة واحدة يجمعها وطن آمن ومستقر، وطموحات كبيرة في الوصول إلى مستقبل أفضل لأجيالنا، ومكانة وتأثير لدولتنا، والأهم قطع الطريق على أي محاولات اختراق قد تنال من وحدة المجتمع وتماسكه خاصة في هذه الظروف الدقيقة للعالم من حولنا. Your browser does not support the video tag.