للصيد طعم خاص لا يعرفه إلا من كان مولعاً برحلات القنص حيث يجد لذة كبيرة وطعماً لذيذاً عند تناول لحم الفريسة خصوصاً والتي تعيش حرة طليقة في البراري، وبالتالي يكون للحمها طعم غير طعم الحيوانات والطيور التي تربى في المنازل، وتعتبر هواية الصيد هواية تجمع بين الرياضة والتلذذ بأكل ما يتم اصطياده، ولذا فقد كان جيل الأمس يتحين مواسم الصيد الكثيرة التي ما إن ينتهي موسم إلا ويأتي موسم صيد نوع آخر، فهناك مواسم صيد (الضب) ومن ثم يتلوه موسم اصطياد الطيور المهاجرة، وصيد الأرانب البرية، وقد يتخلل ذلك صيد (الجراد) وغيرها، وعلى الرغم من توافر الحيوانات البرية والطيور بكثرة خلال مواسم الصيد إلا أن هواة صيد جيل الأمس كانوا يصطادون على قدر حاجتهم، فما أن يحصلوا على حصتهم التي تكفيهم للأكل إلا ويتوقفوا عن الصيد ويقومون بطبخ ما تم اصطياده ومن ثم يأكلوه ويجلبون ما تبقى لمنازلهم ليأكل أهل البيت منه، وبمعنىً آخر فقد كانوا يقومون برحلة الصيد من أجل التلذذ بأكله، أما جيل اليوم فقد بات يقوم برحلات صيد جائرة أدت إلى تناقص الحيوانات البرية والطيور، وبات هم كل مجموعة تقوم بالصيد هو التفاخر بما تم اصطياده من كميات قد يكون مصيرها في أغلب الأحيان التلف ومن ثم التخلص منها، كما كانت رحلات الصيد بدائية حيث كان من يريد الصيد يجتمع مع أصحاب الرحلة في سيارة واحدة مزودة ب(تانكي) ماء للشرب والغسيل ويحمل معه أدوات طبخ بسيطة كقدر وصحن وملعقة وإبريق شاي ودلة للقهوة وما يلزم من (معاميل) لإصلاح القهوة والشاي وشيء من الأرز أما اللحم فلم يكن يجلب حيث كان لحم الصيد هو ما سيتم طبخه بعد الصيد والتهامه إضافة إلى (بساط) للجلوس، وبعد رحلة الصيد وتناول ما تم اصطياده يعودون أدراجهم إلى البلدة مستمتعين بما قضوه من وقت ممتع، أما في عصرنا الحاضر فقد تبدل الحال وصار الترتيب لرحلة الصيد يسبق ذلك بتجهيز سيارة (العزبة) وهي معاميل إعداد القهوة والشاي وأدوات الطبخ المتعددة وأنواع (الفرشات) و(المدات) والخيام الصغيرة الخفيفة المحمل وسهلة التركيب والفك وأدوات الصيد من (البنادق) وغيرها، وقد يصطحب البعض من الموسرين والهواة العديد من (صقور) الصيد ك(الشاهين) و(الباشق) و(الحر) وغيرها، بينما البعض الآخر يصطحب كلاب الصيد (السلق) إن كان الصيد للأرانب أو الغزلان، وقد تطول رحلة القنص وتمتد لأيام إذا كانت في أراض بعيدة كنفود الدهناء أو الربع الخالي أو في رياض (الصمان) الواسعة الفسيحة، ولكن الملاحظ في رحلات جيل اليوم هو المبالغة في الإعداد في التجهيز لرحلات القنص وكذلك الصيد الجائر الذي قضى على العديد من الحياة الفطرية حيث بات مولعو الصيد لا يكفون عن الصيد رغم الحصول على قدر حاجتهم به بل يبالغون في الصيد ويتباهون به وخصوصاً بعد ظهور أجهزة التواصل الاجتماعي التي يتم فيها توثيق تلك الرحلة وبثها لأقرانهم إما للتحدي أو للتفاخر مما نتج عن ذلك قلة حيوانات الصيد كالمها والغزلان والأرانب والضبان وانقراض الكثير منها وكذلك بعض أنواع الطيور، وهذا ما لم نجده من جيل الأمس الذين رغم حاجتهم الماسة للصيد لالتهامه إلا أنهم كانوا لا يصيدون إلا قدر الحاجة ومن ثم يتوقفون رغم مقدرتهم على اصطياد الكثير. المواسم فيما مضى كان الموسم لدى جيل الأمس هو من يحدد نوع الصيد الذي يتم اصطياده حيث يكون الصيد متوافراً، ومن ذلك على سبيل المثال موسم صيد (الضبان) الذي يبدأ في (الكنّة)، أو ما يسمى ب (كنّة الصيف) أو (كنّة الثريا)، وتمتد مدة صيده أربعين يوماً، وفي هذه الفترة يكون (الضب) سميناً بعد أن شبع من نباتات الربيع وصار مكتنزاً لحماً وشحماً، وقد كانت طريقة الصيد لدى جيل الأمس بدائية إذ كانت كثرته تجعل الكثيرين يصطادونه بالمطاردة بالأقدام، فإذا لمح أحد الصيادين الضب فإنه يرى اتجاهه ويباغته من الخلف فيقوم الضب بالجري بأقصى سرعته هرباً من الصياد الذي يضاعف من سرعته ليركله بقدمه فيتقلب ومن ثم يمسك به، أو أن يسبقه الصياد إلى جحره فيسده بقدمه ومن ثم يمسك به إذا أراد الدخول إلى جحره، ومن الطرق البدائية أيضاً طريقة (الغر) أي أن يقوم الصياد بغر الجحر بالماء كي يوهم الضب بأن السماء تمطر والسيل يدخل إلى الجحر فيخرج الضب بسرعة فيمسكه الصياد. عصافير وحمام كان للصغار قديماً متعتهم في الصيد ولكن داخل أروقة القرية فهم لا يذهبون للبحث عنه في البراري والقفار كالكبار بل هم يستمتعون بصيد العصافير من (المفارخ) والتي يطلقون على مفردها (مفرخة) وهي مكان وضع العصفور عشه وبيضه في سقوف منازل القرية الطينية التي كانت من الخشب، حيث اعتادت العصافير على بناء أعشاشها بين فتحات الأخشاب وذلك بجمع أعواد الشجر الصغيرة وقطع الصوف وغيرها ومن ثم تضع بيوضها، وعندما يفقس البيض ويبدأ صغار العصافير بالزقزقة يعرف الصغار بأن هناك (مفرخة) فيتحينون الفرصة حتى تكبر هذه العصافير الصغيرة التي يطلقون عليها اسم (حواقيل) ومفردها (حاقول) وهي ملساء بدون ريش، وغالباً ما يسقط بعضها فيكون فريسة سهلة للقطط، وقبل أن تصل العصافير إلى مرحلة من العمر تسمى (مطيار) أي تكون مستعدة لتعلم الطيران تكون الفرصة مواتية لاصطيادها حيث تكون مكتملة النمو بأن يكون جسمها مغطى بالريش ولكن لا يستطيع مغادرة عشه والطيران، ولذا تجد الصغار يتسابقون إلى أخذ (عسيب) النخل الطويل الذي يبلغ طوله ثلاثة أمتار تقريباً بعد قطعه وتركه ليجف ومن ثم ينظفونه من الخوص ويكون على خط مستقيم، ويوجهون طرفه الدقيق إلى مكان (المفرخة) بالسقف وهي أطراف التقاء خشب السقف بالجدار بينما يمسكون بقاعدته ويحاولون إدخال طرفه إلى مكان العش وإذا وصل يقومون بلف العسيب بطريقة دائرية حتى يلتف حوله العش ومن ثم يقومون بسحبه إلى الأسفل فيخرج العش ومعه صغار العصافير فيلتقفونها بفرح ومن ثم يذكونها ويشوونها على نار صغيرة يشعلونها في زاوية بعيدة ويلتهمون ما حصلوا عليه من صيد وفير، وكم شهدت عمليات الصيد تلك من مواقف طريفة وحوادث حيث يكون بعض الأسقف عالياً مما يجبر بعض الصغار إلى الصعود على سلم من الخشب أو برميل الأمر الذي يجعل من يقوم بعملية الصيد يفقد توازنه ومن ثم يسقط فيتأذى كما حصل لأحد هؤلاء الذي كان يحمل ويضع ما كان يصطاده في جيبه الجانبي وأثناء الصيد زلت قدمه فسقط من البرميل إلى الأرض على جنبه الذي يجمع فيه تلك العصافير فلما أخرجها وجدها قد سحقت جراء سقوطه بجسمه عليها، أما صيد الحمام فقد كان سهلاً لمن لا يملك من أدوات الصيد شيئاً حيث كان الشباب يقصدون الآبار المهجورة ذات الفوهات الصغيرة التي لا يتعدى قطرها المترين ليلاً ويقومون بتغطيتها ب (بساط) أو (بطانية) ومن ثم يفتحون فتحة صغيرة ويدخلون (كشاف) نور الذي يعمل على بطاريات جافة وينيرون داخل البئر فيما يلقون العديد من الأحجار فيطير الحمام فزعاً يريد الهرب فيهرع إلى النور ظناً منه أنه فتحة للخروج فيقومون بإمساكه بسهولة ومن ثم تذكيته وأكله. الجراد كان الناس في استقبال موسم الجراد بين مستبشر بوصوله ومستاء من ذلك، فأصحاب المزارع يضيقون به ذرعاً كيف لا ووصوله يعني القضاء على مزروعاتهم البسيطة، فيبدؤون مكافحته وذلك بحفر حفر كبيرة أمام المزروعات حتى إذا جاء الجراد زاحفاً ردموه فيها، والبعض يأخذ (عسيب) نخل ويبدأ في ضربه إذا وقع في الأرض بالقرب من الزرع فيقتله، وقد يعمد الأطفال من ذوي المزارعين وبمشاركة النساء والشبان بالطرق على (التنك) مصدرين صوتاً قوياً يجعل الجراد يخاف فلا يقع ويستمر في الطيران وتنجوا المزروعات من فتكه، أما عامة الناس فإنهم إذا حل الجراد استبشروا به خصوصاً إذا كان في البراري القريبة من البلد حيث يخرجون زرافاتٍ ووحدانا، وأنسب وقت لصيده هو قبل طلوع الفجر حيث يكون ملتصقاً بأعواد الشجيرات الصغيرة ومشلول الحركة من برودة الجو وصقيعه خصوصاً إذا كان في فصل الشتاء، فيقومون بجمعه في أكياس خصوصاً إذا كان من النوع الجيد ك (المكن) وهي أنثى الجراد المكتنزة بالبيض، أما إذا كان من نوع (الخيفان) فان الإقبال يكون عليه قليل جداً، ويتم جمع الجراد وسط ترديد أهازيج خاصة بذلك مثل قولهم (الجراد المترادف.. صادني قبل أصيده) ويجمعون الجراد بطريقة الحشو بالأيدي وربما حملوا معه دون قصد بعض الثعابين التي سبقتهم إليه للتغذي عليه، وكان الكثير لا يكتشفها إلا بعد أن يبدأ بتفريغ الكيس الذي يحطه من على ظهره في منزله فيفاجأ بهذا الضيف غير المرغوب فيه فيتخلص منه بحذر اتقاء شره، وكان الكثيرون يطبخون الجراد في القدور ويتلذذون بأكله ويستعيضون به عن اللحم وقد ضربوا بذلك المثل فقالوا (الجراد يرخص اللحم) أي أن الناس يستعيضون بالجراد عن أكل اللحم الذي يقل الإقبال عليه فيضطر القصاب إلى إنزال سعره للمشترين في ظل انعدام أجهزة التكييف بل الكهرباء عموماً، مما يعني فساد اللحم اذا لم يبعه في يومه، كما كانوا يتباشرون بقدومه وأكله فأطلقوا المثل المشهور القائل: (إذا جاء الجراد فانثر الدواء.. وإذا جاء الفقع فصر الدواء). صيد زمان كان الصيد في بداياته وبداية ظهور السيارات وفيراً حيث كانت الظباء والمها العربي والغزلان متوفرة بشكل كبير على شكل قطعان حتى أنها ترد على المزارع القريبة من البلدان لتشرب الماء فيتم صيدها بسهولة، بينما يخرج العديد من القناصة في سيارات لوري إلى البراري ومن ثم يقومون باصطيادها بسهولة ويتم تعبئة صندوق اللوري بالكثير منها فيأكلون ما لذ من لحومها في مكان صيدهم والبقية يجلبونه إلى أهاليهم في البيوت، وبعد مدة من الزمن تناقصت بشكل مريع، ولم يتبق في أيامنا هذه إلا ما يتم الحفاظ عليه في المحميات الطبيعية التي أنشأتها الهيئة العامة للحياة الفطرية وإنمائها، فاتجه الناس إلى الأرانب التي كانت هي أيضاً متوفرة بكثرة في البراري القريبة من البلدان وازداد الصيد بعد أن توفرت الأسلحة النارية، فأصبحت هي الأخرى شبه معدومة إلا في أماكن بعيدة ووعرة قد لا تصلها السيارات، وأخيراً فلم يتبق من الصيد إلا (الضب) الذي يشهد منذ عقود صيداً جائراً يخشى عليه من الانقراض، أما صيد الطيور المهاجرة والتي كان يطلق عليها جيل الأمس (نزل) وذلك لأنها تنزل في الليل ويسمع لها صوت أثناء الطيران فهي تنزل للراحة والبحث عن الغذاء لتكمل مسيرة رحلتها الطويلة ومن أنواعها (الحبارى) و(القمري) و(الصفارا) و(الكروان) فقد حظيت هي الأخرى بالصيد الجائر حيث بلغ من ولع الصيادين لها أن يستقبلوها على الشواطئ فيصطادوها فور قدومها، الأمر الذي حدا بالهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية إلى حظر اصطياد الطيور المهاجرة، وتحديد أوقات محددة للصيد. رحلات القنص لا زال الكثير من الناس تستهويه هواية القنص والصيد رغم قلة ما يتواجد من صيد جراء انقراض العديد من الحيوانات أو الطيور جراء الصيد الجائر، ولكنه يشد الرحال سريعاً إذا ما نما إلى علمه وجود صيد في مكان ما سواءً بين جبال بعيدة أو صحراء مخاطراً بنفسه من أجل التمتع بهذه الهواية الجميلة المحببة إلى نفسه، ويصور حال هؤلاء المغرمين بالصيد قصيدة جميلة للشاعر محمد الفريدي والتي يقول فيها: طبعي هواوي واعشق القنص والصيد واطرب ليا فاح النفل من عباتي واجلس مع القمرى بليل التساهيد واشب ناري ثم ألوح عصاتي واقرب دلالي على النار من حيد دلال أبويه دايمٍ من سواتي واترجم أحساسي على صفحه البيد وأرتب بيوتي بكيفي وذاتي واجيب سامر وألعب الشعر وأعيد ولا حان وقت الفرض أصلي صلاتي وأستغفر الله وطلبه كل ما أريد راحت ضميري والصبر والثباتي طبعي هواوي واعشق القنص والصيد من خلقتي وهذي مسيرة حياتي أساليب الصيد الحديثة اختلفت أساليب الصيد الحديثة عما كانت عليه سابقاً وأصبحت أكثر فتكاً كما باتت هواية الصيد هواية إبادة وتفاخر وليست للحاجة وسد رمق الجوع وهذا ما أكدته الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية بأن الصيد في الماضي كان باستخدام وسائل تقليدية لسد الحاجة أما اليوم وبعد ظهور التقنية الحديثة مثل سيارات الدفع الرباعي ووسائل الصيد الفتاكة من شباك خاصة وبنادق رش وغيرها أصبح الصيد ليس لسد الحاجة بل ممارسات تفتك بأعداد كبيرة تؤدي لفناء أنواع عديدة من الطيور والحيوانات لو استمر على هذه المعدلات المخيفة لذلك قامت الهيئة بسن وتطوير الأنظمة والتشريعات الوطنية التي تهدف إلى المحافظة على الحياة الفطرية وبيئاتها الطبيعية وفي مقدمتها نظام صيد الحيوانات والطيور البرية ونظام المناطق المحمية للحياة الفطرية ونظام الاتجار بالكائنات الفطرية المهددة بالانقراض ومنتجاتها وتبذل الجهد والمال في سبيل الحفاظ على هذه الثروات وتنميتها. رحلات القنص تتطلب استعداداً وتجهيزات خاصة كانت رحلات الصيد قديماً للمتعة وللحصول على الكفاية من الطعام صيد الأرانب البرية هواية جيل الأمس واليوم الاستعراض بالصيد الجائر ظاهرة سلبية الصيد الجائر اليوم يهدد الحياة الفطرية تغير مفهوم رحلات القنص وطرق الإعداد لها عن السابق المها والغزلان استمتع بصيدها جيل الأمس قبل انقراضها إعداد: حمود الضويحي Your browser does not support the video tag.