لفت نظري ما طرحته ثقافة اليوم من جريدة الرياض الغراء وذلك من يوم 5/ 4 ربيع الآخر من يوم السبت في الصفحة 16 إذ قد كان العنوان الكاتب والناقد وكأن هذا الطرح يوحي بضرورة أن يواكب الكاتب الناقد على كل حال وقد كان الطرح مميزاً شارك فيه ثلة جيدة وإن كان الطرح مختصراً إلا أنه يوحي ببعث جديد صوب النقد لا دراسة العمل من حيث هو دراسة. والمعلوم أن من أصول النقد عند المتقدمين والذي تدبرته كثيراً خلال زمن سلف وما بين يدي اليوم من المطولات من كتب النقد وكتب الجرح والتعديل وأساسيات معالجة الآثار فإن الذي وجدته عند القوم صدق الإحساس صوب ما يريدون تقويمه من نص أو بيان أو عمل ينظرونه مما صنفه كاتب أو عالم من العلماء. وهم على هذا يصاحبون هذا التوجه دائماً (صدق الإحساس) ويدينون الرجوع إليه حتى إذا رسخ في النفس كجزء منها ذهبوا إلى التجرد وصدق العدل في الحكم حتى ولو كان من ينظرون عمله ليخضعونه إلى النقد الصحيح بينه وبين الواحد منهم ما بينه وبينهم من شيء في النفس خشية طغيان العاطفة أو الكره أو الإحساس بالحسد وهذا عندي من الغوامض التي يجب أن يتنبه لها النقاد والعلماء على حد سواء وقد وقفت على منهج أئمة النقد من علماء الآثار الحديثية والمصطلح والأصول فيما وضعه كبار العلماء كعلي بن المديني وشعبة بن الحجاج ويحيى بن سعيد القطان وشعبة بن عمرو والإمام الدار قطني وحماد بن سلمة ومثلهم ما وضعه في أساسيات النقد الموضوعي علماء الجرح والتعديل كأيوب السختياني وعبدالله بن مبارك وقتيبة بن سعيد بن جميل والليث بن سعد ومسدد بن مسرهد وأضرابهم خلال قرون سلفت مدونة أسفارهم إلى هذا الحين. كما عينت من جهة أخرى ثلة من نقاد الأدب والأخبار هذه الثلة الموهوبة التي سار من بعدهم عليها رويداً رويداً كما صنع ابن قتيبة في (أدب الكاتب) والإمام ابن العربي في كتابه النقدي التحليلي للآثار (العواصم من القواسم) وكذلك ما وضعه الأشعري في كتابه (مقالات الإسلاميين) وهو ما صنعه ابن رشيق في كتابه (العمدة) وهو ما صنعه بموهبة جليلة على أساس النقد الموضوعي الترجمي البخاري في كتابه (التاريخ الكبير والأوسط والصغير ) وهو الذي رمز إليه وأخذ منه أخيراً ابن أبي حاتم في كتابه (الجرح والتعديل ) ولعل ما صنعه ابن الأثير الجزري في كتابه النقدي المعروف (جامع الأصول ) فقد جمع فيه في الجزء الأول قواعد وأصول النقد ومعالجة تأصيل وتقعيد المسائل العلمية وهو الذي قد تكون جريدة الرياض مشكورة أشارت إليه بضرورة ربط الناقد بالكاتب والعكس لأن هذا من الضروريات اللازمة دون نكير. والعلم في أصله لا يكون بارزاً صاحبه أو مجتهداً مطلقاً أو مجتهداً مقيداً أو مجتهداً في مسألة أو باب إلا من خلال وجود النقد وأغلب الظن أن الموجود الآن كما أشير دائماً إنما هو بذل الآراء والملاحظات وبعض التهميشات على ما ظهر من كتب في العلم والأدب وهذا يلغي العقل الموهوب ويجعل هذا طاغياً على وجود النقد وإذا حصل هذا ساد الخطاب المباشر والأساليب الإنشائية ولو أننا أخضعنا ما كتبه بعض المعاصرين من العلماء والأدباء لوجدنا أنهم ينحون نحو دراسة الأعمال لا نقد الأعمال مافي ذلك شك عندي فلو أننا نظرنا إلى ما كتبه مثلاً الشيخ محمد الغزالي أو ما كتبه محمد الشعراوي أو ما كتبه محمد بن رمضان بن سعيد البوطي لوجدنا كثيراً من النقاش حول ما كتبوه لكنه لا يرقى إلى النقد. ومن جهة أخرى لو نظرنا إلى ما كتبه طه حسين وإبراهيم بن عبدالقادر المازني ومحمد حسنين هيكل وأحمد أمين وأخيراً أحمد بن عبدالمعطي حجازي ورجاء النقاش لوجدنا أنهم يبتعدون عن النقد إنما هي آراء وملاحظات فيها من قوة الجرأة بقدر ما فيها من الوضوح لكنها لا تصعد إلى ذات النقد الذي أدعو إليه في هذا الحين وكل حين ولذلك نجد أن كثيراً من القوم تراجع عن بعض أرائه لما تمخض من خلل في الرؤية والتنظير وبذل القول من هنا وهناك. ومثل هؤلاء ما طرحه سلامة موسى والعقاد وإن كان العقاد أجود ويتحرى الدقة والصواب تبعاً لمصطفى بن صادق الرافعي إلا أن سلامة موسى قد أخطأ كثيراً في طرحه في معالجة النصوص في مصر وبعض البلاد العربية. والذي أهدف إليه أن يفهم القوم النقد على أصوله وعلى قواعده بضابط التأني وتصور المسائل التي يريدون نقدها لا دراستها أو عرضها فإن هذا أمر نحتاجه لعله يجدي في بعث التجديد والإضافات غير المسبوقة. ولو مثلاً أخذ أحدنا (العواصم من القواسم) الآنف الذكر وقرأه دون ملل أو عجلة أو أخذ كتاب (مقدمة صحيح مسلم) أو كتاب (العلل) للدارا قطني أو كتاب (العمدة) لابن رشيق فإنه سوف إن كان قائماً قعد وإن كان قاعداً بات على جنبه لما يحسه من واقع أليم مما هو موجود اليوم من إحساس بفقدان النقد الصحيح والذي يكاد لا يكون موجوداً. من هذا المنطلق كم أقدر لمن يقرأ هذا الكلام أن يتفهمه على أساس أن الرائد لا يكذب أهله فلعله يبعث بعثاً جديداً في هذا الحين وفي كل حين. إبراهيم المازني مصطفى الرافعي عباس العقاد أحمد حجازي Your browser does not support the video tag.