كانت ستكون ليلة عادية جداً، من قائمة الليالي الزائفة التي أزجيها في قضاء اليوميات الرتيبة، كإزهاق الجوع بطعام غير شهي كالمعتاد، أو تقسيم المتبقي من نقودي على الأيام المتبقية من الشهر، أو الهروب إلى أغنية أعيد سماعها أثناء التحديق في السقف حتى يغلبني النوم. لكنها لم تكن كذلك على الإطلاق. لقد كانت ليلة هاربة من سريرتي التي لطالما كانت تحثني على العادية، إلى المسافات الطائشة من أزقة الإقدام دون حساب للعواقب، أنا الذي كنت أقترف المواقيت بحذرٍ لا يثير حالة الهلع في نفسي، ويوحي إلى حبيبات القشعريرة بالنفور على جلدي المتأهب لحالات القلق. كانت ستكون ليلة عادية جداً لولا تلك الفكرة التي وثبت إلى عقلي عندما قررت بلا مقدمات النظر إلى وجهي الذي يجعل الناس ينظرون إليّ باستغراب شديد منذ أن خرجت عن طوع نيّاتي قبل عدة سنوات ومخالفة تقاليدي الرتيبة، والعبور إلى ليلة واحدة مغايرة أستطيع تخليدها في ذكري وتاريخي. وأعترف أنني حينها تألمت كثيراً، وبكيت أكثر، وخجلت من نفسي حد اقتلاع جميع المرايا من منزلي، إذ قررت فجأة عدم النظر إلى وجهي حتى لا يثير اشمئزازي من نفسي، وحتى يتسنى لي نسيان فعلتي، فتوقفت حينها عن زيارة الحلاق، وتوقفت عن ارتياد أي مكان في مرآة، والاكتفاء بالعبور بين الجدران الصماء التي لا تقول لي شيئاً عني، ورميت بآلة التصوير الذي كنت مهووساً بها في صندوق القمامة. لقد كانت الفكرة بحد ذاتها مرهقة لذهني الذي يخاف من أي شيءٍ يقربني إلى رؤية وجهي، ولم أكن مستعداً لها بما يكفي لمحاربة التوتر الذي بدأ يمتاح من جسدي كما يمتاح الجهد اليومي والإغراق في العمل من قوتي. لكنها حالة من الجرأة التي تلبستني في ذلك الوقت المتأخر من الليل فقررت رؤية التغيرات في ملامحي بعد ثلاث سنوات من القطيعة، من المؤكد أن شيئاً من ملامحي قد استطال، وبعضها ربما انكمش، وهناك الكثير من التغيرات التي طرأت ولم أشعر بها. فبدأ على الفور البحث عن مرآة، فتشت في أغراضي القديمة عن مرآة فلم أجد. وبعد نصف ساعة مضنية من البحث الجاد وجدت مرآة صغيرة مدسوسة بين ملابس الشتاء، خبأتها ولا أتذكر السبب. أمسكت بها وحانت لحظة المواجهة الحاسمة التي قلبت ليلتي رأساً على عقب. فحين رأيت في المرآة لم يظهر لي وجهي. جن جنوني وبدأت أطرق أبواب الجيران، وأدلف منازلهم كالمجنون، أقف أمام كل مرآة بحثاً عن وجهي الذي لم يظهر في أي مرآة وقفت أمامها. وعرفت أخيراً لماذا صار الناس ينظرون إليّ باستغراب شديد، ليس لأن وجهي غريباً، بل لأنني بلا وجه. Your browser does not support the video tag.