إن ما نراه في أداء وزارة التجارة خلال العقد الأخير أمر يعد مؤثراً في الحياة اليومية للمستهلك، فقد ارتفع الوعي الاستهلاكي لدى المواطن وأصبح العالم قرية صغيرة ببضائعه ومنتجاته وخدماته، ولازال الجشع لدى التجار والوكلاء المحليين يضرب أطنابه في السوق المحلية، متحدّين بذلك القوانين الاقتصادية لهذه القرية الصغيرة، فقد خُفضت الكثير من المنتجات على مستوى العالم، ولكنها لدينا تعاند بل وترتفع على مرأى من وزارة التجارة. وكردة فعل لجأ المستهلك الوطني الواعي والمدرك للأسعار العالمية للشراء عن طريق الإنترنت لسلع يبلغ حجم التفاوت بين سعرها محلياً وعالمياً 800 %!! والشواهد موجودة لجميع السلع (قطع غيار السيارات من بلد التصنيع للسيارة، أو ملابس من أشهر الماركات العالمية، أو أدوية ومستحضرات تجميل... إلخ). تحتفل وزارة التجارة بتطبيقاتها الذكية ومواكبتها للتقنية لتعلن بأنها تستجيب للمستهلك عندما يبلغ عن حالة غش لتغلق ذلك المحل الجائر! وكنّا نردد في وقتها أيها السادة أنتم تقيمون حفلة صغيرة من أجل الفلاشات، والأجدى والأنفع للمستهلك هو ضبط الأسعار لتحريك الاقتصاد المحلي وعدم ترك الحبل على الغارب كيفما يشاء التاجر أو حلف التجّار الجشّاع! وزارة التجارة هي من بيدها ضبط العلاقة بين التاجر والمستهلك وتهيئة بيئة تجارية آمنة ومناخ صحي لتحريك الاقتصاد الوطني، ومن الأجدى توزيع جهدها بين تشجيع الشباب للدخول في السوق كرواد أعمال وبين حملات الغش التجاري وبين ما هو أهم للمستهلك وهو "تخفيض الأسعار"، فهناك سلع كثيرة ومنتجات وخدمات عديدة تعرفها الوزارة قبل المستهلك بأن ارتفاع سعرها محلياً غير معقول وغير مقارن وغير مبرر البتة، ولا يمكن لنا التصور بالوصول لرؤيتنا 2030 وأغلب مستهلكينا باتوا يمارسون الشراء عبر الإنترنت من البلد الأصلي للسلع، وبذلك نحن نعلن رسمياً قبل بلوغنا الرؤية الوطنية بفقد الثقة بسوقنا المحلية وبصدق الأسطورة بأن التاجر المحلي أقوى من وزارة التجارة. بكل بساطة لنتذكر أن من يحرك الاقتصاد الوطني هو "المستهلك النهائي" وإن أحجم عن الشراء لعدم قدرته المالية أو لجأ للتبضع من الإنترنت من بلد المنشأ فسيصاب اقتصادنا بالشلل وستضعف القوة الشرائية للوطن ولن تكون سوقنا كما خططنا لها بالأمان المطلوب لدخول المستثمر الأجنبي، وما كنا نشتكي منه سابقاً بخروج الريال من تحويلات المقيمين سنشتكي مستقبلاً من خروج الريال من مشتريات المواطنين! ولا عذر الآن لوزارة التجارة بعد موافقة مجلس الوزراء على خطة حماية المستهلك في ظل الإصلاحات الاقتصادية بتركيز الجهد على "تخفيض" السلع والخدمات أولاً وقبل كل شيء لضمان دورة الريال داخل الوطن.