ألقت تداعيات استفتاء إقليم كردستان العراق الذي تم إجراؤه في الخامس والعشرين من شهر سبتمبر الماضي، بظلالها على الوضع الداخلي والخارجي للإقليم، وسط أزمة سياسية واقتصادية خانقة دفعت المواطنين الغاضبين إلى التظاهر والمطالبة بحقوقهم وتوزيع رواتبهم من قبل حكومة الإقليم العاجزة عن دفعها. وفرضت الحكومة الاتحادية بعد إجراء الاستفتاء الذي أصر عليه رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني بقرار فردي لم يسانده المجتمع الدولي، سلسلة من الإجراءات ومن بينها فرض حظر بري وجوي على مطاري أربيل، عاصمة كردستان ومطار السليمانية، ثاني أكبر مدن الإقليم، فضلاً عن استعادة غالبية المناطق المتنازعة عليها أبرزها محافظة كركوك الغنية بالنفط. وخرج المئات من المتظاهرين بينهم المعلمون إلى الشوارع للمطالبة بمحاربة الفساد وإقالة الحكومة في كردستان وتحسين الوضع الاقتصادي في الإقليم. وشهدت مدن ومناطق في كردستان العراق الأسبوع الماضي، أعمال عنف خلال التظاهرات حيث أدت إلى مقتل خمسة أشخاص وإصابة أكثر من 167 بجروح متفاوتة. وعلى إثر ذلك التطور، شكلت حكومة الإقليم لجنة أمنية من أجل ضبط الأوضاع، تتكون من الشرطة وقوات الأمن (الأسايش) وقوات البشمركة الكردية وجهاز مكافحة الإرهاب. وتسبب تصاعد التظاهرات بأزمة داخل حكومة الإقليم وأعلن حزبان هما حركة التغيير والجماعة الإسلامية انسحابهما منها. وشدد المعلمون في محافظة السليمانية، على ضرورة إنهاء المظاهر العسكرية في مدينة السليمانية وكافة المدن الأخرى. وقال ممثل المعلمين إنهم في إقليم كردستان هم ضحية السياسة الاقتصادية الفاشلة للسلطة في كردستان، وبعد سياسة التجويع والإهمال وهذه المرة بعد المطالبة بحقوقنا مع الأسف، وبدلاً من إيجاد حل لمعالجة الأوضاع المعيشية المتردية للمواطنين أصبحت المدن مقرات لجمع القوات العسكرية وتنفيذ عمليات اعتقال ضد المعلمين والمواطنين الآخرين، داعياً إلى سحب جميع القوات إلى مواقعها السابقة، ولا يجوز توجيه فوهات البنادق باتجاه المواطنين الفقراء والجائعين من أبناء هذا الشعب والتعامل بشكل مدني مع المتظاهرين. وطالب المعلمون بإطلاق سراح المعتقلين من الناشطين والمواطنين والمعلمين الذين ألقي القبض عليهم من قبل القوات الأمنية. ونوه ممثل المعلمين إلى أن الأوضاع الراهنة تدفعنا لعدم الصمت أمام هضم حقوق الموظفين والمعلمين، ونعتقد أن هذه التظاهرات ستنتهي بشكل يصب في تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين وتطوير المشاريع الخدمية، وإذا لم تحدث هذه التغييرات فأفضل حل هو استقالة ورحيل هذه السلطة. وغرق الإقليم منذ سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي على أراض واسعة منه، بالديون وازداد الأمر صعوبة عندما قامت بغداد على إثر قيام الإقليم بإجراء الاستفتاء، بفرض حصار زاد من ضغط الشعب الكردي على حكومتهم. وعن التظاهرات التي خرجت، قال رئيس حكومة إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني إنها "حق مشروع لأي فرد من أبناء شعب كردستان، لكن تحريف مسار التظاهرات من المطالبة بالحقوق إلى إحراق المقرات والهجوم على المؤسسات الحكومية غير مقبول، والحكومة ستتخذ الإجراءات القانونية ضد كل المتسببين بالفوضى". الغضب الشعبي يظهر حالة التململ داخل الإقليم وأحرق المتظاهرون الغاضبون عدداً من المقرات الحزبية والمقرات التابعة لحكومة الإقليم، وسط فرض السلطات الكردية إجراءات أمنية مشددة. وبشأن انسحاب حركة التغيير والجماعة الإسلامية من الحكومة، ذكر بارزاني، أن "الأشخاص في (التغيير) هم ليسوا في الحكومة منذ فترة طويلة وسيبقون في الحكومات المحلية، أما بالنسبة للجماعة الإسلامية لا أفهم شخصياً لماذا صدر هذا القرار، كان لابد أن يطلبوا اجتماعاً مع حكومة الإقليم لكي يوضحوا لنا أسباب الانسحاب، ونحن نحترم قرارهم، في الوقت الذي نطلب فيه بإجراء الانتخابات لا نرى أي مبرر لقرار الانسحاب، يجب علينا أن نكون موحدين خلال المرحلة الراهنة لكي نتمكن من تجاوزها". ونوه رئيس حكومة الإقليم إلى أن: "هناك أياد خفية وراء التظاهرات الأخيرة وحرق مقار الأحزاب والمؤسسات الحكومية، إذا نظرنا إلى الأحداث نرى أنه هناك عدداً من المواطنين يطالبون بحقوقهم لكن الأمور تغيرت فجأة إلى حرق للمقرات والهجوم على مؤسسات الدولة، وإذا لم تكن هناك أياد خفية خلف التظاهرات فكيف تغير مسارها، من المعلوم أن هناك أيادي تحاول التخريب، ومسؤوليتنا كحكومة إقليم كردستان حماية الأمن والاستقرار، وما جرى هو تخريب لاستقرار وأمن المواطنين في محافظة السليمانية، وليس المطالبة بالحقوق نحن لن نسمح بتخريب أمن واستقرار المواطنين". وشدد على أن "الحكومة لن تسمح بتخريب الأمن والاستقرار، وأن الذين قاموا بالفوضى والتخريب هم ليسوا إلا 2000 شخص وليسوا أكثرية المتظاهرين، ومن حق أي شخص التظاهر لكن في إطار القانون". وأضاف أن "الحكومة الاتحادية ليست جادة في صرف رواتب الموظفين في إقليم كردستان، والدليل على ذلك إذا كانت الحكومة العراقية جادة في صرف رواتب الموظفين فلتتفضل، لدينا قوائم التسجيل البايومتري سنرسلها لها لكي تقوم بصرف الرواتب، لكنها ليست جادة وكل يوم تظهر في الإعلام لكي تشير إلى أننا نحن المعرقلون للاتفاق، نحن نعلن من هنا ونجدد القول إننا مستعدون للحوار مع الحكومة الاتحادية وفقاً للدستور ومعالجة جميع المشاكل العالقة". مطالب بحل الحكومة جددت حركة التغيير والجماعة الإسلامية، دعوتهما لحل الحكومة الحالية وتشكيل حكومة انتقالية في إقليم كردستان. وأصدرت حركة التغيير والجماعة الإسلامية بياناً بعد قرار انسحابهما من الحكومة حيث ذكر البيان أن "السلطات في إقليم كردستان استمرت على الفساد السياسي والقانوني والمالي والاقتصادي بشكل واسع، وقامت بتجديد ولاية رئيس إقليم كردستان لمدة عامين بطريقة غير قانونية وتعطيل برلمان كردستان وشل حكومة إقليم كردستان ولم تقبل بالشراكة الحقيقية أبداً ولن تكن مستعدة لإجراء الإصلاح". وتابع البيان، إن "السلطات وبسبب عقليتها الفاشلة في الحكم عرضت إقليم كردستان إلى أزمة اقتصادية ومالية كبيرة، وفي الختام عرضت إقليم كردستان إلى فشل ونكسة تاريخية سياسية وعسكرية ومعنوية وجماهيرية عن طريق السياسة غير الواقعية وأخطاء المجلس الأعلى للاستفتاء". وأشار البيان إلى أنه "بعد إجراء الاستفتاء أردنا منح فرصة أخرى للسلطة لكي تكون بمستوى مهام المرحلة وأن تدير حواراً ناجحاً مع بغداد والعمل على تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين والتحضير لانتخابات نزيهة بعد تدقيق سجل الناخبين، لكن مع الأسف بعد عدة شهور من الانتظار أصابتنا حالة من اليأس". وأكدت حركة التغيير والجماعة الإسلامية أنه من "الضروري في المرحلة الراهنة حل الحكومة الحالية وتشكيل حكومة انتقالية جديدة، وندعم جميع المطالب المشروعة للمتظاهرين في إطار النضال المدني دون أي عنف". الخيار العسكري وفي الأسبوع الماضي، لوح القائد العام للقوات المسلحة العراقية حيدر العبادي، باستخدام القوات الأمنية للسلطة الاتحادية لحماية المتظاهرين ومنع استخدام السلطات الكردية العنف ضدهم. في وقت تواصل رئاسة الجمهورية بزعامة الرئيس العراقي فؤاد معصوم جهودها الرامية لتأمين مناخ ملائم لإجراء حوار سياسي بين بغداد وأربيل. وتشير التوقعات إلى أن بغداد التي تعرضت إلى ضغوط إقليمية ودولية منذ أحداث 16 أكتوبر الماضي، سوف توافق على إجراء الحوار مع أربيل، حيث يعتبر الأول من نوعه منذ استفتاء الإقليم. إجراءات أمنية مشددة من قبل سلطات الإقليم