العمل التعاوني، الاقتصاد التشاركي، الجمعيات التعاونية، الجمعيات الخيرية، جميعها مسميات متعددة للأعمال التطوعية التي تقدم خدماتها لأفراد المجتمع من المستفيدين المحتاجين. وهذه المسميات وإن اختلفت في أهدافها ومفهومها إلا أنها جميعا تسعى تطوعيا لخدمة المجتمع بكافة فئاته وأفراده. القضاء على الاحتكار وحماية ذوي الدخل المحدود.. إيجابيات العمل التعاوني وتشرف وزارة العمل والتنمية الاجتماعية على ما يقارب 204 جمعيات تعاونية -حسب موقع الوزارة- متعددة الأهداف والمهام، وتقديم العديد من الخدمات والأنشطة للمستفيدين سواء كانت في جانب الإرشاد والتوجيه والتدريب أو توفير وتسويق المنتجات الزراعية أو مساعدات مادية مباشرة أو غير مباشرة لتحويل أفراد المجتمع من متلقين للإعانات إلى منتجين يساعدون أنفسهم، ويساعدون أسرهم. ولكن مع ذلك تبقى الجمعيات التعاونية نشاط غائب وضلع مكسور في اقتصاد المجتمع التعاوني رغم الحاجة الماسة لها خصوصا في هذا الوقت الذي كثر به التستر والغش التجاري والارتفاع غير المبرر في أسعار السلع والخدمات وسيطرة الوافدين على قطاع البقالات وخسارة الوطن لمليارات مهدرة من هذا القطاع. المساهمة في خفض الأسعار وزيادة التوطين من أنجح الحلول للاقتصاد التشاركي المجتمعي ويشير عدد من القائمين على هذه الجمعيات التعاونية بأن مساهمة القطاع الخيري في المملكة وخاصة التعاوني منه ضعيف جدا مقارنة بالدول الأخرى بالرغم من أن أول جمعية خيرية أنشئت في المملكة منذ ما يقارب 60 عاما وبالتحديد في عام 1380 حيث لايكاد يتجاوز عدد المساهمين في هذه الجمعيات عدة آلاف، كما يشير آخرون إلى ضعف متابعة وزارة العمل والتنمية الاجتماعية لهذه الجمعيات مما جعل بعضها تتعثر في تحقيق أهدافها نتيجة لقلة الدعم المادي والمعنوي. ويوضح المشاركون بالتقرير بأن الجمعيات التعاونية تعاني بالرغم من قلتها من مشكلات أكبر حيث تقل فرص تنويع مصادر الدخل وهي التي يفترض فيها أن تكون ربحية لتحقق الاكتفاء الذاتي وتتمكن من دعم برامجها، وطالب عدد منهم بضرورة التفكير الجاد في إنشاء هيئة مستقلة للجمعيات والمؤسسات الخيرية والجمعيات التعاونية يكون لها نظام شامل ومستقل لتكون رافدا حقيقا وفعالا لجهود الدولة في دعم الأفراد والأسر المحتاجة، مع ضرورة تكثيف الرقابة والإشراف عليها، وتمكينها من المشاركة في الفعاليات المجتمعية بشكل أفضل مماهو قائم حاليا، وتوفير الإمكانيات لها لتسهم في خدمة المجتمع المحلي خاصة وأن طبيعة المجتمع السعودي طبيعة بذل وعطاء ولكنه ربما لم يجد الوسائل للدعم والمشاركة الحقيقية في ذلك. تعثر الجمعيات أوضحت الدكتورة الجوهرة الجميل رئيسة مجلس إدارة جمعية أم سنمان للأسر المنتجة بحائل بأن الاقتصاد التعاوني من أبرز الاقتصاديات الاجتماعية والتي تسهم بشكل كبير في رفاهية المجتمع وزيادة الدخل الفردي والقومي، وتساهم في خفض الأسعار وزيادة التوطين كما يمكنه أن يحول مجتمعنا من مستهلك إلى مصدر إن وجد التخطيط الاقتصادي والدعم الحكومي المناسب فهي نظام يمتلكه المجتمع ويخدم احتياجاته ويزدهر بالتعاون والتكاتف ويلتمس احتياجات المجتمع. والعديد من الدول انتعش اقتصادها بتفعيل ودعم الجمعيات التعاونية، ففي فنلندا نجد 60 % من السكان مساهمون كأعضاء في جمعيات تعاونية، وسنغافورة 50 % وأميركا 40 %، وفي دول الخليج الكويت على سبيل المثال 45 % من السكان مساهمون بتأسيس جمعيات تعاونية. وللأسف إذا قارنا ذلك بنسبة مساهمة السكان في السعودية نجدها لا تتجاوز 0,002 % من آلاف مساهم وهي أقل نسبة في العالم، وهذا التدني يجعلنا نتساءل لماذا يهمل هذا القطاع الهام في المجتمع ..؟، علما بأن أول جمعية أسست عام 1380 هجري أي ما يقارب من 60 عاما، بلا تطوير وبلا اهتمام وبلا دعم يذكر ..!! بعض هذه الجمعيات متعثر للأسف، ما أسباب هذا التعثر؟! متى نرقى بهذا القطاع؟ ماذا قدمت الجمعيات للمجتمع؟! تبين الجميل بقولها: "إن معظم الجمعيات تعاني من تدني الربحية وقلة المساهمين للأسف، قطاع مهمل ومهمش والفرص الاستثمارية التي تتزايد في مملكة الخير والعطاء أصبحت بيد العمالة الوافدة والتي أفقدت اقتصادنا مليارات الريالات التي تهاجر سنويا، وتضيف "الحقيقة أن وزارة العمل والتنمية الاجتماعية متعددة الاهتمامات وأعباؤها ( أعباء العمل وأعباء التنمية الاجتماعية ) أكبر من أن تستوعب نشاط العمل التعاوني، أن طبيعة العمل التعاوني ذات صفة استثمارية تختلف عن أهداف واهتمامات الوزارة كونها اقتصاد اجتماعي. الجمعيات ورؤية 2030 وتؤكد الجميل "نحن في بلد ولله الحمد معطاء والرؤية السعودية الطموحة 2030 اقتصاد مزدهر ومجتمع طموح .. ومرتكزات هذه الرؤية تمثل البيئة الخصبة للتعاونيات فهي إحدى الأذرع الرئيسة لتحقيق هذه الرؤية والتحول هذا وتقدم الحكومة حفظها الله الكثير.. أين نصيب التعاونيات؟! وأشارت الجميل إلى أن هناك جهودا تذكر فتشكر في مجال التعاونيات وقالت: "من هذه الجهود تأسيس مجلس التعاونيات بجهود رائد العمل التعاوني ، عبدالله الوابلي، وما بذله من جهود في عدة مجالات، إضافة إلى أن هناك تميزا ملحوظا في الجمعيات الزراعية . في نظري هذا التطور جهود قيادات العمل التعاوني رؤساء الجمعيات، إلا أن الجهود الفردية كاليد الواحدة لا تصفق، وقد تم تشكيل مجلس جديد ومتناغم بفضل الله وتم إقرار إستراتيجية جديدة للعمل بقيادة رئيس مجلس التعاونيات الدكتور عبدالله بن كدمان، ونحن متفائلون بالقادم وبجهود رجالات التعاونيات فقط نحتاج استقلالية تتناسب والدور المأمول من التعاونيات ودعما ماديا يساند مشروعاتنا الجبارة التي ستقود بإذن الله اقتصاد مجتمعنا وتسهيل الإجراءات بما يحقق أهداف مجتمعنا الطموح. القضاء على جشع التجار أما رئيس مجلس جمعية خميس مشيط الزراعية إبراهيم بن ظفير الشهراني فقد أوضح بقوله: "التعاونيات ما هي إلا اقتصاد تشاركي ربحي تنموي يقضي على الفقر والحاجة والاحتكار وجشع التجار بشرط أن يكون له هيئة مستقلة ويتحول من رعوي إلى تنموي ويعتمد على موارده ليس على الدعم الحكومي، أما حول أسباب عدم انتشار الجمعيات التعاونية في المملكة فيوضح الشهراني "لعدم تثقيف المجتمع بأهميتها والطفرات الاقتصادية المتتالية حيث إن الحاجة هي من تجبر الناس على التكتل مثل ما كان عليه آباؤنا من تعاون وعندما نقول جمعيات تعاونية: فإننا نعني نظاما مؤسسيا تحت مظلة رسمية، ويواصل "وللجمعيات التعاونية في حال إقرارها كنظام مؤسسي سيكون لها جهود في مساندة الدولة في الحد من ارتفاع الأسعار واستغلال المستهلك، وقد أعددت تقريرا استمر أربع سنوات تطوعا وجمعت خلاله معلومات من دول كثير إقليمية وعالمية، وتقدمت بعدها بمبادرة مدروسة تتناسب مع رؤية 2030 لمعالي وزير العمل وهي ( إحلال التعاونيات مكان البقالات ) وأوضحت بالتقرير جانب الأخطار الاقتصادية والاجتماعية والأمنية للبقالات، وقد تقبلها معاليه مشكورا وحول الدراسة إلى وكالة التنمية ولا أعلم مصيره. المجتمع أكثر وعياً الآن من جهته بين المهندس خالد الباتع رئيس مجلس إدارة الجمعية التعاونية الزراعية التسويقية بحائل بأن الجمعيات التعاونية قد تأخرت كثيراً وخصوصاً مشروع تحول البقالات إلى جمعيات استهلاكية. والقطاع التعاوني يعمل منذ أكثر من خمسة عقود وقد مر بكثير من المحطات التي ساهمت بغياب العمل التعاوني وتدني مستوى الجمعيات التعاونية مما ساهم في غيابها عن الواجهة، وقد يكون عدم حاجة المجتمعات للجمعيات خصوصاً في الفترة التي مرت على المملكة خلال المرحلة الأولى والثانية فأصبحت الحاجة للجمعيات غير موجودة، ولكن الوضع الآن تغير وأصبحت المجتمعات أكثر نضجاً ووعياً بأهمية القطاع التعاوني والحاجة ملحة له في هذا التوقيت الذي كثر فيه التستر والغش التجاري والارتفاع غير المبرر في أسعار السلع والخدمات، وهذا ما يدركه مجلس الجمعيات التعاونية في أهمية تقييم العمل التعاوني وانتشار الجمعيات البديلة للبقالات والعمل مع مشروع التحول الوطني 2020م، ورؤية المملكة 2030م، التي ستضع الجمعيات كأهم بنود رؤية المملكة 2030م. تعاون دولي وعن تأصيل العلاقات الدولية بين مجلس الجمعيات التعاونية السعودي والدول الأخرى أوضح الباتع "مجلس الجمعيات التعاونية يعمل على تأصيل العلاقة الدولية وهو الآن عضو في الحلف التعاوني الدولي، إلا أنه لم تفعل المشاركة وهنالك بعض المعوقات والتي تم السيطرة عليها من خلال اجتماع الجمعية العمومية الخامسة للمجلس والتي تم عقدها بداية الشهر الحالي، وستنتج آفاقا جديدة للتعاون الدولي -بإذن الله- في قادم الأيام، وهنالك بعض التجارب الدولية والتي تتمثل في تعاون جمعية زادكم التعاونية الاستهلاكية مع جمعية العين بدولة الإمارات العربية المتحدة. وعن أبرز التحديات التي تواجه العمل التعاوني يؤكد الباتع بقوله: "ندرة وعدم فهم المجتمع لثقافة العمل التعاوني في المجتمعات بالمملكة وعدم قيام المؤسسات الإعلامية بدورها تجاه نشر ثقافة العمل والقطاع التعاوني، والبطء في تسجيل الجمعيات التعاونية لدى الجهات ذات العلاقة، وكذلك ضعف الكوادر البشرية في بعض الجمعيات مما أدى ذلك لوجود تحديات كثيرة ، كما أن الاهتمام الحكومي بالجمعيات التعاونية دون المستوى المطلوب، وغياب ثقافة العمل التعاوني لدى مؤسسات الدولة، وأيضاً الخلط في عدم فهم الجمعيات التعاونية من الجمعيات الخيرية، مما سبب إرباكا للمنتسبين للجمعيات التعاونية. م. خالد الباتع إبراهيم الشهراني