في لغةٍ لم تكن موفقة في الالتزام بأعراف الدبلوماسية الدولية وحق تحديد المصير جاء «الفيتو» الأمريكي عبر «نيكي هايلي» سفيرة الولاياتالمتحدةالأمريكية لدى الأممالمتحدة ليعطّل مشروع قرار الأممالمتحدة بإدانة اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل. وفي إجماعٍ دولي جديد صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة الخميس الماضي ضد قرار الرئيس الأمريكي بشأن القدس ب128 صوتاً رافضاً لهذا القرار، وهو ما اعتبره السفير الفلسطيني لدى الأممالمتحدة رياض منصور هزيمة لواشنطن، فيما امتنعت 35 دولة عن التصويت ورفضت 9 دول. من جهةٍ أخرى أوضح تقرير للمركز الدبلوماسي للدراسات الاستراتيجية أن بداية ترمب لم تختلف كثيراً عمن سبقوه، فهو أيضاً ساق الوعود الانتخابية بنقل السفارة، ولكن بعد دخول البيت الأبيض، وقّع على قرار التأجيل أيضاً فظن الكثير من المتابعين أن ترمب ربما لن يختلف عن نهج أسلافه، ولكن في السادس من ديسمبر 2017م أعلن الرئيس الأمريكي قراره بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس في اعتراف ضمني بأن القدس عاصمة «إسرائيل». وذكر التقرير أن هنالك دوافعا كثيرة يمكنها أن تُفسر هذا القرار، سواء على مستوى الضغوط الإسرائيلية أو الداخل الأمريكي كما أن توقيت القرار يُضيف دوافع جديدة تخص الأزمات العاصفة بالبيت الأبيض من الداخل، ولكن البعد الأهم في هذه القضية هو مستقبل عملية السلام بعد أن أظهر الأمريكيين أنهم وسيط غير موثوق فيه بالنسبة للفلسطينيين بشكل رسمي وواضح، ففي العام 1995م تبنى الكونغرس الأمريكي بأغلبية كبيرة «قانون سفارة القدس»، والذي نص على ضرورة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس فيما لا يتجاوز 31 مايو 1999، ولكنه منح الرئيس القدرة على تأجيل القرار مدة ستة أشهر إذا رأى ذلك ضرورياً؛ حماية للمصالح الأمنية القومية الأمريكية، ومنذ إدارة كلينتون وعلى مدار الإدارات المتعاقبة كان يتم هذا التأجيل تلقائياً كل ستة أشهر رغم أنهم أصدروا الوعود الانتخابية بتنفيذ هذا القرار. وفي مشاهد مغايرة وغريبة لم تألفها الساحة الدولية خرجت الولاياتالمتحدة بلغةٍ يعلوها التهديد حيث قالت على لسان سفيرتها بالأممالمتحدة « هايلي»: ستتذكر الولاياتالمتحدة هذا اليوم!، كما هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الدول التي تقوم بالتصويت ضد بلاده بقطع المساعدات التي تقدمها بلاده لها ووفقاً لرويترز فإن واشنطن وجدت نفسها معزولة على الساحة العالمية مع تصويت الكثير من حلفائها الغربيين والعرب لصالح القرار، ومن بين تلك الدول الحليفة مصر والأردن والعراق وهي دول تتلقى مساعدات ضخمة عسكرية أو اقتصادية لكن التهديد الأمريكي بقطع المساعدات لم يحدد دولة بعينها. عزلة واشنطن قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس امس إن الولاياتالمتحدة استبعدت نفسها من عملية السلام في الشرق الأوسط بعد اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل. وقال عباس خلال مؤتمر صحفي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «الولاياتالمتحدة لم تعد وسيطا نزيها في عملية السلام ولن نقبل أي خطة منها بسبب انحيازها وخرقها للقانون الدولي». كما ندد عباس بتهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقطع المساعدات المالية عن الدول التي صوتت لصالح قرار في الأممالمتحدة يدعو الولاياتالمتحدة إلى سحب اعترافها بالقدس وقال: «إن الاعتراف بدولة فلسطين، هو استثمار في السلام، وفي مستقبل مستقر وآمن للمنطقة، وإبعاد شبح العنف والتطرف والإرهاب والحروب عن منطقتنا، ومن أجل ذلك وحفاظاً على حل الدولتين قبل فوات الأوان، فإننا ندعو الدول التي لم تعترف بعد بدولة فلسطين أن تقوم بذلك». وأكد عباس أهمية الانتباه إلى ما تنفذه إسرائيل في القدس من تغيير لهويتها وطابعها وتهجير لأهلها من المسيحيين والمسلمين والاعتداء على مقدساتها، موضحا أن ما يجري خطير جداً ولا يمكن السكوت عليه، وأن الحل يكمن في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين، بعاصمتها القدسالشرقية. من جانبه قال الرئيس الفرنسي ان قرار الولاياتالمتحدة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل همشها في هذا الملف، مضيفا انه لن يقوم بالمثل ولن يعترف بدولة فلسطينية بشكل احادي الجانب. وقال ماكرون ان «الاميركيين مهمشون، أحاول ألا أقوم بالمثل»، مضيفا انه لن يعترف بشكل احادي الجانب بدولة فلسطين لأنه لا يعتقد ان الأمر سيكون «مجديا». واضاف ماكرون «هل سيكون مجدياً اتخاذ قرار من طرف واحد بالاعتراف بفلسطين؟ لا أعتقد. لأنه سيمثل رد فعل» على القرار الأميركي «الذي سبب الاضطرابات في المنطقة. سأكون بذلك أرد على خطأ من النوع ذاته»، مضيفا انه لن «يبني خيار فرنسا على اساس ردة فعل» على السياسة الأميركية. انتصار للشرعية رحبت وزارة الخارجية العراقية، الجمعة، بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرافض للتغييرات بشأن القدس، عادة إياه «انتصارا للشرعية الدولية» وللقضية الفلسطينية ولمسانديها من أغلبية دول العالم. وقال المتحدث الرسمي باسم الوزارة، أحمد محجوب، في بيان إن «العراق مصمم على موقفه الثابت والمبدئي من فلسطينوالقدس ودعوته العالم للوقوف بوجه محاولات النيل من المدينة المقدسة». وأضاف أن «العراق يكبر موقف الدول الداعمة للقرار الأممي، وهو الموقف ذاته الذي طالب به العراق في اجتماع وزراء الخارجية العرب والقمة الاسلامية الاستثنائية وعلى لسان وزير الخارجية، ابراهيم الاشيقر الجعفري، والذي يعبر عن موقف العراق حكومة وشعبا». وتابع أن «تصويت العراق من بين 128 دولة لصالح القرار الذي جاء بشبه اجماع دولي قد جعل من اعلان القدس عاصمة للكيان الصهيوني باطلا وأثبت الحق الشرعي والقانوني لفلسطين بعاصمتها القدس». كما رحب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط بنتيجة التصويت الكاسح في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وأكد أبو الغيط، في بيان صحفي مساء الخميس، أن التصويت يكشف مجدداً عن حالة من الاجماع الدولي الكامل تأييداً للحق الفلسطيني، ويسهم في تثبيت هذا الحق على المستوى القانوني والاخلاقي. وقال أبو الغيط «إن التصويت يبلور -للأسف- حالة العزلة التي وضعت الولاياتالمتحدة نفسها فيها من دون مبرر مفهوم. وتوجه أبو الغيط، باسم الدول العربية، بالشكر والتقدير للدول التي اختارت الجانب الصحيح، ووضعت المبادئ فوق المصالح، وأعلت من شأن القانون والشرعية الدولية، مؤكداً أن التصويت التاريخي اليوم يعد انتصاراً لهذه القيم التي تتأسس عليها المنظومة الدولية. ورحبت منظمة التعاون الإسلامي بقرار الجمعية العامة، واعتبرت أنه يجسد إجماعاً دولياً على دعم وتثبيت الحقوق الوطنية الفلسطينية فيها، ورفضاً لأي محاولات غير شرعية من شأنها المساس بالوضع التاريخي والقانوني والسياسي لمدينة القدس. وثمن الأمين العام للمنظمة، الدكتور يوسف بن أحمد العثيمين، في بيان له «المواقف المبدئية للأغلبية الساحقة من دول العالم التي وقفت إلى جانب الحق وسيادة القانون الدولي، واتحدت من أجل تحقيق السلام العادل والشامل استناداً الى رؤية حل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية». من جانبه عبر رئيس البرلمان العربي الدكتور مشعل بن فهم السلمي، عن شكره وتقديره لكافة الدول العربية والإسلامية والصديقة بتصويتها في الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع القرار الرافض لقرار الرئيس الأميركي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإجماعهم بعدم المساس بوضعية القدس وبطلان أية محاولة من أي طرف كان لتغيير الوضع القائم.