قد يبدو لافتاً في مشاركة السينما السعودية في الدورة الرابعة عشرة من مهرجان دبي السينمائي أنها ذات اتجاه عالمي في ما يتعلق بحكاياتها وبممثليها وبلغة شخصياتها، حيث ظهرت أربعة أفلام سعودية بقصص تجري أحداثها ما بين أميركا وألمانيا وبريطانيا، وهي: "احتجاز" للمخرجة هاجر النعيم، و"كبش الفداء" للمخرج طلحة عبدالرحمن، و"الظلام هو لون أيضاً" للمخرج مجتبى سعيد، و"ماري شيلي" للمخرجة هيفاء المنصور. ولو تجاوزنا عالمية المحتوى وبعده عن المحلية، فإن الذي يبقى من هذه الأفلام -وهو الأهم- جودة الصنعة، والحرفية العالية في تنفيذ الصورة بكل مكوناتها السردية والشكلية، والتي تنبئ عن مواهب سينمائية سعودية قادرة على المنافسة عالمياً. أما الفيلم السعودي الخامس المشارك في المهرجان والذي يحمل عنوان "حلاوة" للمخرجة هناء الفاسي فقد ظهر بقصة محلية خالصة وبموضوع اجتماعي بالغ الحساسية. هيفاء المنصور تُحرك نجوم هوليود من إنتاج أوروبي أميركي مشترك، عرضت المخرجة هيفاء المنصور فيلمها الروائي العالمي الأول في مهرجان دبي السينمائي ضمن برنامج "سينما العالم". الفيلم حمل عنوان "ماري شيلي" وفيه حكت قصة حياة الروائية البريطانية "ماري شيلي" مؤلفة رواية الرعب الكلاسيكية "فرانكشتاين"، بمشاركة نجوم هوليود إيلي فاننغ، مايسي ويليامز ودوغلاس بووث. التقطت هيفاء المنصور من سيرة الكاتبة البريطانية الشهيرة ما يلتقي مع أفكارها الخاصة التي كانت قد عبرت عنها بوضوح في فيلمها السابق "وجدة"، حيث المرأة القوية التي تواجه العالم من أجل الحفاظ على مساحتها الخاصة. وهنا نرى الشابة "ماري" وهي في منزل والدها بلندن وتبدي اهتماماً بالأدب لكنها تواجه تدخلات جافة من زوجة أبيها، في الوقت الذي تتشكل فيه علاقتها العاطفية مع الشاعر الشاب بيرسي شيلي، فتختار الهرب بعيداً مع حبيبها في رحلة ستقودها إلى كتابة أشهر روايات الرعب. ما يجدر الوقوف عنده في هذا الفيلم هو قدرة هيفاء المنصور على صناعة صورة جميلة متقنة، وإدارة الحدث والممثلين بتمكنٍ يشي بإمكاناتها الفنية العالية. "حلاوة" جريئة لهناء الفاسي تعد هناء الفاسي من المخرجات المتميزات في مسيرة السينما السعودية الوليدة، وصنعت عدة أفلام جيدة خلال دراستها للسينما في أميركا، وقد سجلت حضورها في مهرجان دبي السينمائي هذا العام بفيلم روائي قصير بعنوان "حلاوة" شاركت به في مسابقة المهر الخليجي القصير. الفيلم تناول قضية حساسة تتعلق بطفلة تتأرجح بين عالم الطفولة وبين أن تكون امرأة. هذه الجرأة هي أهم عنصر في الفيلم، إضافة إلى وضوح الصوت النسوي الذي يميز هناء الفاسي في جميع أفلامها، وعدا ذلك فإن العمل يعاني من ضعف التمثيل والسيناريو والصوت، في تكرار لذات الأخطاء الفنية التي ظهرت في فيلمين سابقين لها هما "هدف" و"هوية". "كبش الفداء" وصراع الشخصيات على طريقة روبرت دي نيرو في مشهد الروليت الشهير في فيلم "صائد الغزلان"، ينسج المخرج طلحة عبدالرحمن حكاية متخيلة تجري في مكان معزول برفقة كاتب روائي يتصارع مع خياله. حمل الفيلم عنوان "كبش الفداء" وعرض في المهرجان ضمن مسابقة المهر الخليجي القصير، من بطولة ممثل واحد أدى أربع شخصيات باقتدار لافت. تدور الأحداث حول كاتب روائي يعيش في عزلة عن الناس، باحثاً عن إلهام لكتابة روايته الجديدة التي تعسّرت كثيراً، وتبلغ به الهواجس الإبداعية إلى الحد الذي يجتمع فيه مع ثلاثة من شخصياته الروائية المتخيلة على طاولة واحدة، ويطلب من كل واحدة منها المشاركة معه في لعبة "روليت" ستنتهي بموته أو موت أحد شخصياته. الفيلم يمكن اعتباره أفضل فيلم سعودي قصير شارك في المهرجان، الأداء كان مدهشاً من الممثل أحمد أحمد الذي أجاد تقديم أربعة شخصيات متباينة في طبائعها إلى حد التناقض، وقد أجاد المخرج طلحة عبدالرحمن تصوير هذه القصة التي تجري في مكان واحد وضيق بتحكم شديد، سواء في إدارة الفكرة وتوجيهها، أو في تتابع اللقطات والمونتاج. وإجمالاً الفيلم متكامل شكلاً ومضموناً ويُنبئ عن مخرج متميز قادم للساحة بقوة. "احتجاز".. تجربة جميلة لهاجر النعيم مثل المخرج طلحة عبدالرحمن، قدمت المخرجة هاجر النعيم فيلمها "احتجاز" بجودة بصرية وإتقان في الأداء وإحكام في السيناريو، وهي عناصر يندر أن تجتمع سوياً في فيلم سعودي. هنا تروي المخرجة حكاية مهاجرة سورية تعيش قصة نجاح في أميركا لكنها تتعرض لموقف حرج يهدد حياتها الجديدة يتمثل في قيام والدها بتنفيذ عملية إرهابية في أحد المطارات. وقد نجحت المخرجة في تصوير حيرة البطلة وارتباك مشاعرها بين جريمة والدها والمصير المجهول لشقيقها الصغير. "الظلام هو لون أيضاً" يعتبر المخرج مجتبى سعيد من أهم الأسماء الواعدة في مستقبل السينما السعودية، وهو يدرس في المعهد العالي للسينما في بادن فوتنبيرغ بألمانيا، وله أفلام ناجحة مثل فيلم "بوصلة" الذي عرض على قناة MBC عام 2015م. في الدورة الرابعة عشرة من مهرجان دبي السينمائي شارك مجتبى سعيد بفيلم ألماني اللسان وعالمي الهوية بعنوان "الظلام هو لون أيضاً" وذلك ضمن مسابقة المهر الخليجي القصير. يغوص المخرج في هذا الفيلم في عمق الغابة الألمانية، مطارداً الشخصية الرئيسية التي تغوص بدورها في أعماق ذاتها، بحثاً عن معنى لحياتها. تقنياً الفيلم لا تشوبه شائبة، صورة متقنة، وكوادر جميلة، وأداء وألوان وصوت احترافي وبمواصفات عالمية تؤكد موهبة المخرج، لكن الحكاية كانت مثقلة بالرموز التي أربكت السياق أكثر مما أضافت للمعنى الإنساني الجميل الذي تصدى له المخرج. فيلم «احتجاز» تم تصويره في أميركا فيلم «كبش الفداء» اكتمل فيه الشكل والمعنى هاجر النعيم هيفاء المنصور هناء الفاسي طلحة عبدالرحمن