تتجلى أهمية ما نكتبه اليوم أن مجتمعنا يمر بمواقف حاسمة نحو مستقبل زاهر مشرق، مما يحتم على الثقافة أن تتحمل عبئا ثقيلا إذ هي الملجأ الوحيد في مثل هذه الظروف العصيبة، حيث لا يمكن أن يترك الإنسان لمقاديره، ولابد له من رعاية فكرية موجهة. وما هي الكيفية التي تمكننا من تحقيق أهدافنا المستقبلية؟ والتوفيق بين أساليب الحياة المستمدة من تاريخنا الثقافي المتوارث وبين الأساليب الواجب ابتكارها لمجابهة المشكلات التي تحيط بمجتمعنا؟ وما الوسائل التي تمكننا من تطوير أفراد المجتمع لكي يتمكنوا من مواكبة التغيرات، وبالتالي المساهمة في تطور مجتمعاتهم؟ وهل باستطاعتنا التوفيق بين دواعي التكيف للمجتمع المتجدد ودواعي الإبداع والابتكار؟ إن هذه الأهداف لن تتحقق إلا إذا حققنا أمرين متوازيين هما: ثقافة متنورة طموحة تحقق وتواكب تطلعات وآمال المجتمع المستقبلية، وأفراد يمتلكون القدرات والإمكانات التي تمكنهم من صناعة المستقبل وقيادته. إن الهدف الأساس الذي يتحتم أن تسعى إليه فلسفتنا الثقافية هو صنع الفرد الواعي لرسالته الإنسانية القادر على حمل هذه الرسالة، المتفتح تفتحا كاملا للنهوض بأعبائها، وهي تتناول الإنسان في مختلف حالاته من نعيم صلته بالله أولا، ثم بمجتمعه وأسرته ووطنه على أسس سليمة. إن ثقافتنا تعتز بتراثنا العربي الإسلامي وتستمد أصولها من العادات والقيم الحميدة التي أوجدت هذا الإنسان المكافح ليتحدى صعوبة الصحراء بكل قوة وعزيمة، رسمت له المبادئ التي تساعده على حل المشكلات وخلقت له سبل العيش والتعايش، ومن هذا يتبين لنا إنسانية فلسفتنا ودعوتها إلى التعاون بين أمم العالم، حيث لا تتخذ مبدأ الصراع بين القوميات منهجا لها ولا تجعل التفوق والغلبة وعداء الشعوب وسيلة لها لغايات أخرى. إن فلسفتنا الإنسانية لم تكن يوما من الأيام فكرة تعصبية ضيقة مغلقة على نفسها محجوبة عن التطور والاتصال بالتجربة العالمية بل هي حريصة على الانفتاح على العالم، وهي تدرك وستزيد قناعة أن انبعاثها الحقيقي لن يكون جديا إلا إذا كان في مستوى العصر وفي مستوى طموحاتها المستقبلية ومستوى مساهمتها وعطاءاتها. إن فلسفتنا المتجددة تؤمن بإرادة الحياة في الإنسان وكفاحه للسيطرة على الطبيعة وقدرته على تصريف شؤونه، وتؤمن بتطور ثقافة الأمة، وتؤمن بضرورة التغيير الذي يجتث الفساد ويستأصل أسباب تراجع المجتمع. إن الثقافة التي نريدها هي التي تسهم في تقدم المجتمع وتنميته من خلال بناء جيل واع مستنير مؤمن بالله مخلص لوطنه، يدرك رسالته، ويثق بنفسه وبمجتمعه، والعمل على تحصينه ضد كل تسلل أجنبي يهدف إلى إفساد ديننا أو لحمتنا الوطنية. وكلما ازداد تقدم الإنسان في ميدان الاكتشاف والاختراع ازدادت الحاجة إلى رجال فكر يعملون على جعل المرحلة الجديدة مرحلة حضارية ثقافية جديدة تهدف إلى خدمة الإنسان وخيره. ولا بد لنا من التأكيد على الإرادة إلى جانب المعرفة، وذلك لاعتماد كل جانب منهما على الآخر اعتمادا كبيرا، فبالنسبة للأفراد يتضح أن العلم ينبغي أن يقترن بالعزيمة الصادقة والهمة العالية، وبالنسبة للمجتمع لابد له من وعي شامل يسري بين أبنائه وينظم جهودهم في إدارة عامة تتجلى فيها قوته وحيويته والاضطلاع برسالته الوطنية والإنسانية وتوجيهها نحو آماله وطموحاته واستشرافه لمستقبله المنشود وفق رؤيته وخططه وأهدافه لغد أفضل قريب.