تشير الدراسات النفسية والأبحاث الاجتماعية المعاصرة أن الإدمان على الإنترنت وهوس الأجهزة الإلكترونية أصبح واقعاً حقيقياً، وحمى مرضية تعاني منها الكثير من المجتمعات الإنسانية المعاصرة بما فيها مجتمعنا السعودي، وبالتالي باتت هذه الظاهرة المرضية تهدد الأسرة بالعديد من الآثار والتداعيات الخطيرة.. فقد عكف الأطباء النفسيون على البحث عن أسبابها ودوافعها، وعن الاستعمال اللاعقلاني المبالغ فيه وأصبح لهذه الظاهرة مسميات عدة أطلقها العلماء والباحثون المتخصصون، مثل الإدمان الرقمي، والاستخدام الباثولوجي للإنترنت، وهوس الإنترنت وغيرها من المسميات التي تأخذ صبغة الإدمان والارتهان في هذا العالم الافتراضي. وطبقا لاستطلاع أجري عام 2005م نظمته جامعة ستانفورد الأميركية حددت من خلاله معدل قضاء الوقت في استخدام الإنترنت بشكل عام، ثلاث ساعات ونصف الساعة يومياً، يدخل في نوبة الإدمان، ولذلك أقرت الجميعة الأميركية للطب النفسيِ (ApA) على وضع الإدمان على الإنترنت ضمن قائمة أنواع الإدمان المعروفة التي تتطلب العلاج، بعد أن عرّفت الإدمان الإلكتروني على أنه اضطراب يظهر حاجة سيكولوجية قسرية نتيجة عدم الإشباع من الاستخدام، والمصاب بهذا الاضطراب يعاني من أعراض عديدة وآثار خطيرة إذا اتسعت دائرة هوس المواقع الإلكترونية، وبعض الهيئات تضع (هوس الإنترنت) ضمن قائمة الأمراض النفسية، خاصة بعد أن أكدت الإحصائيات بوضوح ارتفاع معدلات الإصابة به، كما أكدت بعض الدراسات في (علم النفس الشخصية) أن أكثر الحالات قابلية للإدمان الإلكتروني هم الشخصيات المكتئبة والقلقة، والشخصيات التي تعاني من الفراغ العاطفي والملل والوحدة، والانسحاب الاجتماعي، فبقدر ما توفر الإنترنت الكثير من الخدمات للفرد وتفسح له المجالات المعرفية، بقدر ما يؤدي المكوث لساعات طويلة أمام الشاشات الإلكترونية إلى الهوس والإدمان، وهذا له العديد من الآثار الاجتماعية والأسرية والنفسية والصحية. ويشكل الإدمان الرقمي رعباً حقيقياً للأسرة في المجتمع المعاصر، ففي علم الاجتماع الرقمي (الافتراضي) أكد علماء أن التصفح الطويل للإنترنت وإدمان الأجهزة الإلكترونية يزيد من انعزالية الفرد وانسحابه من دائرة العلاقات الاجتماعية وتسبب له سوء التوافق الاجتماعي، والاغتراب النفسي، وبالتالي فقدان التواصل والتفاعل مع محيطه وإهمال الواجبات الأسرية.. فالمؤشرات والمعطيات كشفت أن الإدمان الإلكتروني له دور مؤثر في التفكك والتصدع الأسري وارتفاع حالات العنف المنزلي والطلاق الصامت، حيث تتأثر العلاقات الزوجية بهذه الممارسات التي تتنافى مع قواعد الضبط الديني والأخلاقي والاجتماعي، مما يؤدي لزيادة المشاكل الزوجية وارتفاع حالات الانفصال، وقد أطلق على الزوجات اللاتي يعانين من خيانة أزواجهن (أرامل الإنترنت)!! وللحد من انتشار ظاهرة هوس الإنترنت والاستعمال الإدماني للمواقع الرقمية التي تؤدي إلى تغيّر السلوكيات والتصرفات، وتهدد بالتالي البناء الأسري في مجتمعنا السعودي الفتي.. ينبغي تفعيل دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية؛ الأسرة والمؤسسات التعليمية والتربوية والدينية والإعلامية والثقافية في توعية المجتمع وتنويره بخطورة هذه الظاهرة المرضية على الفكر والخيال والسلوك والعاطفة، والعمل على رفع سقف الوعي التقني والأسري والمجتمعي، لمواجهة غول الإدمان الرقمي وتحدياته الثقافية.