"حضارة الأمم تقيم بين الشعوب التي تحترم الإنسان وتقدر عقله وتنشد جماليته".. شدتني هذه الجملة العبقرية التي صاغها مستشار خادم الحرمين الشريفين الأمير خالد الفيصل بشاعريته المعهودة لدى افتتاحه ورشة عمل "صناعة المبادرات التكاملية" خلال الموسم الثاني لملتقى مكة الثقافي الذي يقام تحت عنوان "كيف نكون قدوة؟" نعم لا يمكن للحضارة أن تنمو وتترعرع إلا إذا وجدت البيئة الحاضنة التي تحترم عقل الإنسان وتقدر إبداعاته.. ولن تكون هناك تنمية اقتصادية واجتماعية ما لم يرتفع وعي وثقافة المجتمع.. إنها دائرة متكاملة تدفعنا إلى البحث بالفعل عن "مبادرات تكاملية" ترتقي بالإنسان القدوة.. تعمل على بنائه بشكل صحيح الذي يؤهله أن يكون فاعلاً ومؤثراً في الحراك الكبير الذي يشهده الوطن مع المضي بأقدام جسورة في برنامج التحول الوطني ووضع ملامح واضحة لرؤية 2030. لقد وضع الأمير المثقف الشاعر الإطار الصحيح والدقيق للمفكرين والمتخصصين.. أمسكهم طرف الخيط الذي ينبغي أن يكون البداية لمجموعة متكاملة من المبادرات والأفكار التي تثري ملتقى مكة الثقافي، وتجعل منه منارة ثقافية سنوية، حتى يتحول البلد الحرام والأرض الطاهرة إلى منارة في الفكرة والوعي.. استكمالاً لمكانتها الدينية العظيمة. رسم أمير مكة تفاصيل مهمة أمام المثقفين من خلال كلمات قصيرة وعميقة عندما أطلق منذ سنوات شعاره الشهير "بناء الإنسان وتنمية المكان"، وجاء ملتقى مكة الثقافي كواحدة من المبادرات التكاملية التي تؤسس لثقافة وحضارة تحترم عقل الإنسان وتنشد جماليته، ثقافة تفردت بها المملكة تقوم على مبادئ وقيم الدين الإسلامي، ثقافة تنفتح على العالم وتستفيد من أفكاره وأطروحاته وتسهم في الارتقاء بالإنسان، شريطة ألا يتعارض ذلك أو يمس مبادئنا وقيمنا الإسلامية. هنا يأتي دور المتخصصين في جميع المجالات في السير على نفس النهج.. وتقديم مجموعة من المبادرات التكاملية التي تسهم في بناء الإنسان القدوة، بناء الإنسان السعودي المؤهل للمشاركة وصناعة القرار ومواكبة التطورات الكبيرة التي يشهدها الوطن في جميع القطاعات. لم يعد التعليم ومخرجاته يكفيان لصناعة الإنسان القدوة القادر على حمل لواء التنمية والتغيير، لابد من حراك واسع حتى نسير بخطوات عملاقة نحو المستقبل، نحتاج إلى أفكار غير تقليدية، وإلى فكر جديد يواكب التطلعات التي يعبر عنها قائد نهضتنا الحديثة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين.. دقت ساعة الحقيقة ولابد أن نكون جميعاً متأهبين.