نبدأ من الرياض العاصمة، فلعل أجمل الصور هذا الأسبوع مانشرته "الرياض" لجرافات بلدية النسيم وهي تهدم وتزيل منزلاً فاخراً بناه صاحبة على أرض مخصصة لتكون حديقة عامة قبل أن يستولي عليها في حي الريان ويحولها لملكيته الخاصة. جمال الصورة بالتأكيد ليس في صور الجرافات ولا صور الجدران المهدمة والبلاط المكسر، ولكن في رسالتها الفعلية والمعنوية التي تقول إنه في عهد الحزم والعزم لامكان لفاسد ولا تسامح مع فساد ولا سقوط لقضاياه بالتقادم ومضي الزمن. بالطبع هدم منزل استولى صاحبه على أرض كانت مخصصة لمرفق عام ونقل الإعلام له بالصوت والصورة يفتح الباب واسعاً للكشف عن حجم استيلاء المتنفذين وكبار الموظفين على أراضي المرافق العامة، ويستدعي أن تفتح "نزاهة" و"النيابة العامة" وغيرهما من الجهات الرقابية الملف ففساده كبير ولابد من تطهيره. من الرياض إلى جدة، والتي أصبح مطرها مرتبطاً للأسف في الأذهان بالفساد، وبالفعل لم تخيب أمانتها هذا الارتباط بل إنها تكرسه موسماً بعد الآخر. فمنذ عام 2009 أعلن أمينها آنذاك المهندس عادل فقيه-حسب الأخبار المنشورة-عن توقيع مشروع تصريف للمدينة تكلفته ملياري ريال، ولكن على أرض الواقع الفعلي فإن جدة عام 2017 هي جدة عام 2009، ولم يتغير التصريف سوى تصريف كل ماليس له علاقة بشوارع المدينة. ظاهرة فساد أخرى رافقت أمطار جدة وبوضوح هذا العام وهي ظاهرة الأبنية المغشوشة سواءً من حيث الموقع أو من حيث جودة البناء، وللأسف فكلتا الحالتين ظهرتا جلياً في أمطار جدة هذا الأسبوع. فقد شاهدنا كيف كسر اندفاع الماء الكبير سور إحدى الفلل السكنية، وهو مايعني أنها بنيت في ممر (بطن) أحد الأودية، والحقيقة أن مخططات كاملة كانت بطون أودية، ولكن الفاسدين طمروها وردموها وباعوها كمخططات سكنية بملايين الريالات، وهو أمر ينبغي أن تبحث خلفه "نزاهة" و"النيابة العامة"، وستجد خلف المشهد الكثير من الأحداث والأشخاص. وأما فساد البناء، فالصور التي نشرت لاتسر بالتأكيد، فرغم أن مطر جدة هذا الأسبوع كان متوسطاً، إلا أننا شاهدنا أسقف المباني وجدرانها وحتى أفياش الكهرباء والتلفون وقد تحولت إلى شلالات، وهو ما يعني أن هذه الفلل الكرتونية ليست آمنة وحياة من يسكنها في خطر، ولا يجب أن يفلت من باعها من عقوبة الفساد والتلاعب بأرواح الناس. والخلاصة أن مكافحة الفساد بدأت فعليا منذ الليلة التي أصدر فيها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أمره الكريم بتشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمكافحة الفساد منذ حوالي شهر. وكما أقضت اللجنة مضاجع الفساد في ليلة صدور الأمر الكريم بإنشائها، فالمنتظر منها أن تفتح ملف فساد العقار، فهو الملف الأضخم والأكبر، ويشمل الاستيلاء على الأراضي المخصصة للمرافق العامة، الاستيلاء على ملايين الأمتار إن لم يكن المليارات في أطراف المدن الكبرى، ردم وبيع المخططات التي لا تصلح للسكن، غش البناء والتنفيذ، وغيرها، ومتى بدأت مكافحة الفساد في تطهير هذا الملف فستكون أنجزت وفعلت الكثير لصالح الوطن ومستقبل أجياله.