هل تعرف فعلاً الفرق بين الكفر والشرك..؟ الكفر بالمعنى اللغوي هو جحد الشيء وإنكاره ومحاولة ستره.. وبالمعنى الشرعي إنكار وجود الله أو حقه في العبادة أو أركان الدين والشريعة... أما الشرك؛ فيتضمن الإيمان بالله ولكن مع إشراك غيره في العبادة كعبادة التماثيل والأصنام وآلهه متعددة.. خذ كمثال أهل قريش الذين كانوا يؤمنون بوجود الله تعالى ولكنهم أشركوا معه أصناماً وتماثيل وضعوها داخل الكعبة ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)).. وكثيراً ما يجتمع الشرك والكفر في إنسان أو طائفة أو ديانة واحدة - كالهندوسية التي لا تعترف بوجود الله وتملك كذلك أعداداً هائلة من الأرباب.. ... الفرق بين الكفر والشرك يحثنا على ضرورة التمييز بين الكفر بوجود الله والكفر بما أنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.. فأهل الكتاب مثلاً كانوا من الموحدين (وغير الكافرين بوجود الله) ولكنهم كفروا بدعوة الإسلام فساواهم القرآن بالمشركين ((الَّذِينَ كفرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا)).. والخلط بين الكفر بالله، والكفر بالإسلام هو مصدر الخلاف بين الفقهاء في جواز أو عدم جواز وصف أهل الكتاب بالكافرين أو حتى المشركين كونهم يؤمنون بالله وتخلوا عن عبادة الأوثان والأصنام بعد تبنيهم دعوة موسى وعيسى... ... ولاحظ أننا نتحدث حتى الآن عن معنى الكفر والشرك من خلال منظور إسلامي خاص وبحت.. ولكن حين نتحدث من منظور عالمي شامل يصبح الاثنان وصفاً نسبياً يعتمد على ديانة المتحدث وموقفه من بقية الأديان.. يصبح جميع المؤمنين (من أتباع الديانات المقابلة) كافرين ومشركين ولا يزيد عنهم الملحدون إلا بإله واحد فقط!! ... وحين تراجع تاريخ الأديان (خصوصاً قبل الإسلام) تكتشف أنه كان دائماً بمثابة صراع بين الإيمان برب واحد، والإيمان بمجموعة من الآلهة والأرباب.. معظم الحضارات شهدت حالات تنقل بين الشرك والتوحيد، بين عبادة إله واحد وعبادة مجموعة آلهة تتولى كل واحدة منها مهمة مستقلة (كآلهة المطر والرياح والبحر والرعد)... خذ كمثال الرومان -وقبلهم الإغريق- الذين كانوا يؤمنون بعدد من الآلهة تتفرع بحسب المهام والمسؤوليات.. ثم تركوا التعددية ودخلوا تحت مظلة التوحيد بظهور المسيحية.. ولكن بعد ثلاثمائة عام من وفاة المسيح عادوا للدخول تحت مظلة التعددية من خلال فكرة الثالوث المقدس والقديسين الشفعاء (لدرجة قرأت إحصائية تؤكد أن عيسى المسيح تراجع إلى المركز التاسع في دعوات المصلين بعد القديسين والشفعاء والحواريين)!! ...... ولضيق المساحة سنكمل حديثنا في مقال قادم نستعرض بعضاً من نماذج الصراع بين الوحدانية والتعددية في حضارات العالم المختلفة.. نستعرض فيه قصة أخناتون في مصر، وإبراهيم في العراق، وخاتم الأنبياء في جزيرة العرب، وكيف كانت قريش (التي تؤمن بالله) تخشى أن يتسبب تخليها عن الشرك في خسارة موقعها كمحطة لقوافل العرب...