المأزق الأكبر الذي يواجهه حزب الله في لبنان، هو أن يصبح حزباً لبنانياً، أي جزءاً من فسيفساء الدولة اللبنانية، وأزمة حزب الله ترتبط ارتباطاً عميقاً مع الأسس التي قامت عليها الدولة اللبنانية، فمنذ أن كان لبنان ولاية عثمانية (متصرفية) في جبل لبنان تم إنشاء مجلس إداري مقاعده تقوم على توازن الطوائف الدينية، وذلك بعد حرب طاحنة 1860 بين الموارنة والدروز، وهما الفئتان المسيطرتان في جبل لبنان آنذاك، دون الالتفات إلى أن هذا التقسيم سيسهم في تعميق الطائفية على حساب الانتماءات الوطنية. وظل التوازن الطائفي هو الذي يتحكم في الأنظمة القانونية والدستورية في المشهد اللبناني، حتى أثناء الانتداب الفرنسي وإنشاء دولة لبنان الكبير 1920 التي جعلها الانتداب وطناً شبه قومي لمسيحي الشرق. فظلت هناك جيوب مهملة داخل كيان الدولة سواء من بعض الطوائف، أو بعض الإثنيات الصغيرة، ومع غياب روح الدولة العلمانية القائمة على التعددية والتعايش. امتلأت هذه الفراغات المهملة بالهويات المنشقة الفرعية، وأخذت تحاول أن تفرض هيمنتها ونفوذها بشكل يتقاطع مع استحقاقات الدولة المدنية الحديثة التي يحاول لبنان أن يكونها. فاشتعلت الحرب الأهلية 1975 بشرارات طائفية، وكان لها أهوالها ومصائبها، والتهمت من عمر لبنان عقوداً قبل الوصول إلى ميثاق وطني مكتوب (اتفاق الطائف)، حيث تم عندها توطيد الطائفية سياسياً، سواء ما يتعلق بالسلطات الدستورية أو المناصب الإدارية، بحيث يضمن تمثيل جميع الفئات، ولكن هذا القرار وإن كان قد أوقف أهوال الحرب اللبنانية وقتها، وحيد الهيمنة المارونية على مفاصل الدولة إلا أنه حل بدلاً منه التنافس المتصاعد بين السنة والشيعة، نقل الطائفية إلى أوصال الدولة اللبنانية برعاية سورية (أبقت على سلاح حزب الله) بدعوى المقاومة، بحيث ساهم في شلل عملية صنع القرار السيادي المشترك القائم على أسس وطنية، وجعل من لبنان دولة فاشلة وفق الكثير من المعايير. الجنوب اللبناني هو الميدان الأمثل الذي تخلق فيه حزب الله نتيجة للصراع العربي الإسرائيلي، فكان شعارات التعبوية والمقاومة والجنوب هي التي تهيمن عليه وتجعله مليشيا حربية خارج مظلة الدولة أو جيشها. وبالتالي:- حزب الله مليشيا عسكرية مسلحة عصية على التمدين والتسكين داخل كيان الدولة المدنية. * حزب الله لا يخضع للمشيئة الوطنية اللبنانية فقراراته وأجندته ترسم في طهران كمخلب للقط الفارسي. * حزب الله يتحرك ضمن طبيعة مافيوية (مزارع مخدرات - غسيل أموال- تصفيات دموية) تحقق فيه الغايات والوسائل. المختصر لجميع ما سبق نستطيع أن نلخصه في سطر واحد: لن يكون لبنان دولة ذات سيادة واستقلال، ما لم تنفذ بنود القرار الأممي 1559 والقاضي ضمنياً بسحب سلاح حزب الله، وانخراطه في العمل السياسي المدني تحت حماية الجيش اللبناني، غير ذلك فإن عربة الحزب المتهالكة ستقود لبنان إلى الهاوية.