بعد معاناة -لعدة عقود- جاء الأمر الملكي لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بالحرب على الفساد بإصدار وتشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وعضوية: رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ورئيس ديوان المراقبة العامة، والنائب العام، ورئيس أمن الدولة، من أجل متابعة قضايا المال العام ومكافحة الفساد. تلاها مباشرة إحالة أمراء ووزراء وقضاة ورجال أعمال من موظفي الدولة والقطاع الخاص إلى التحقيق في قضايا فساد متنوعة، وهذه الإجراءات تؤكد حرص الدولة على اجتثاث هذا الداء من جذوره، وتجفيف منابعه وعدم العبث بمكتسبات الوطن. أجمل ما في هذه القرارات أنها بدأت من أعلى الهرم للقضاء على رؤوس الفساد التي تمادت وأنتجت صفا ثانيا في إدارات عليا ومتوسطة زادت معها أنواع الفساد وتنوعت حتى وصلت إلى صغار الموظفين وفي كافة القطاعات مما جعلها تستعصي على أي جهود وحلول حكومية في الماضي. ثلاثون عاما مضت ونحن نعاني من الفساد الإداري والمالي في القطاعات الحكومية والخاصة بلا استثناء، تختلف درجة الفساد وتتنوع بين سرقة المال العام، واستغلال السلطة والمنصب لتحقيق مآرب ومصالح شخصية، ومن خلال عدة أوجه منها الاستيلاء على الأموال بطرق ملتوية أو الحصول على عقارات بدون وجه حق وتزوير الصكوك وقبول الرشاوى المادية والعينية مقابل تقديم خدمات وتنازلات على حساب العمل أو جمع الأموال بطرق غير مشروعة أو تعيين الأقارب في مناصب لا يستحقونها وحرمان مواطنين هم أولى بها. من عمل أو تعامل مع قطاعات حكومية وشبه حكومية أو خاصة فردية أو مساهمة فلا شك أنه عايش حالات كثيرة تجلى فيها الفساد بكافة أشكاله يتبناها أصحاب مصالح لا يهمهم إلا أنفسهم، والخطورة تكمن في أن هؤلاء لديهم القدرة على تكوين شبكة من الموظفين تحت مظلتهم يشاركونهم فسادهم المادي والمعنوي بمقابل ملموس أو مقابل بقائه في وظيفته لتغطيته على المفسدين وعدم البوح بمصائبهم. ووصل الحال في بعض القطاعات أن تتم محاربة الموظف الأمين والنزيه وتحطيمه وعدم قبوله بتخطيط وتنظيم من شبكة فساد بين مواطن ومقيم، حتى يصل إلى مرحلة الإحباط والاختيار بين التخلي عن وظيفته أو الانخراط مع المجموعة في استغلالهم لوظائفهم. لن تجد دولة حققت طموحاتها وارتقت إلى مصاف الدول المتقدمة دون أن يكون القضاء على الفساد ومحاربته هو البند الأول في أولوياتها، وهذا يتوافق مع ما ذكره الأمير محمد بن سلمان في عدة مناسبات في الإصرار على محاربة الفساد واستعادة الثروات والأموال المنهوبة واجتثاث الفساد من جذوره ومعاقبة المفسدين. بداية قوية ومتفائلة في عهد الحزم والعزم لتحقيق رؤية 2030 بإذن الله والنهوض بالاقتصاد الوطني والارتقاء بالمملكة إلى مصاف الدول المتقدمة.