أكد أبرز قادة قطاع إدارة الثروات السيادية في العالم على أن صناديق الثروة السيادية بإمكانها خلق تغييرات ملموسة في المجتمعات أو زعزعة مسيرة الاقتصادات المحلية في أي دولة، عادين ذلك أشبه بالسلاح ذي الحدين، يمكن الاستفادة منه حسب أسلوب التعامل معه. وأشار المتحدثون خلال الجلسة النقاشية أمس في منتدى مبادرة مستقبل الاستثمار إلى أن الوتيرة السريعة للتغيرات الاقتصادية حول العالم أدت إلى مزيد من التقارب بين الصناديق في مجالات جديدة للاستثمار، فبعد التركيز تقليدياً على الاستثمار محلياً في مشروعات ذات أثر فوري ملموس، كتطوير البنية التحتية مثلاً، فإن صناديق الثروة السيادية تعمل اليوم على التوسع في إستراتيجياتها، كما تعمل في المنطقة على تنويع الاقتصاد، بعيداً عن النفط والاستثمار في قطاعات وتقنيات جديدة. وأكد المشرف على صندوق الاستثمارات العامة ياسر الرميان على تغيير الإستراتيجية الاقتصادية في السعودية خلال السنوات الأربع الماضية من التركيز على جانب التنمية إلى الإقدام على نطاق واسع من الاستثمارات. وقال الرميان: "نحن الآن ننظر إلى الاستثمار بطريقة جديدة كلياً، ولا سيما مقارنة بإستراتيجية الاستثمار التي كانت متبعة خلال 40 عاماً مضت، فلا بد أن تكون الاستثمارات قادرة على النجاح على مستوى تجاري". من جهته قال الرئيس التنفيذي لشركة مبادلة للاستثمار خلدون المبارك: "نعمل سوية ونساهم في الاستثمار في صناديق أخرى حول العالم في قطاعات مختلفة من بينها قطاع التكنولوجيا، حيث نعمل كفريق يتمتع بمستوى عال من التنسيق ضمن أهداف مشتركة وشراكات تسودها الثقة، وامتلاك شريك في صندوق ثروة سيادية يجعل التعامل مع جوانب المخاطرة أكثر سهولة". إلى ذلك قال الرئيس التنفيذي لمجلس التنمية الاقتصادية ورئيس مجلس إدارة شركة ممتلكات البحرين القابضة خالد الرميحي: إن جزءاً من الاستثمارات يستطيع أن يحقق أهدافاً على مستوى التنمية والعائدات على الاستثمارات في آن معاً، ولكن المشاكل تطرأ حين تعمل الأصول المملوكة للدولة في محفظتها الاستثمارية أيضاً على زيادة فرص العمل، فنحن معنيون بجعل الاستثمارات مجدية تجارياً، مطالباً بالعمل على تحديد مؤشرات الأداء شريطة أن تكون واضحة ومستدامة تساعد على تحقيق الجدوى التجارية، وإلا لن يكون ذلك تطويراً حقيقياً للاقتصاد. وأكد المشاركون في الجلسة على الحاجة إلى وضع معايير وأنظمة دقيقة، ولا سيما في تحديد منهجيات واضحة تتعلق بالتعامل مع المخاطر، بالإضافة إلى وضع هيكلة متينة للحوكمة ومعدلات مستهدفة للعائدات، مع العمل على تحديد القطاعات والامتداد الجغرافي المستهدف. من جهة أخرى استحضرت جلسات مبادرة مستقبل الاستثمار التجربة الأوروبية في مواجهة البطالة ونمو الإنتاج المحلي بعد عقود من الاضطرابات الاقتصادية التي شهدتها عدد من أصقاع أوروبا، وتحول تلك المعوقات من معضلات اقتصادية إلى أداءٍ متفوق. وركزت الجلسة التي جاءت تحت عنوان "أوروبا: عودة أم انهيار" وجمعت عدداً من المختصين على انخفاض البطالة في السوق الأوروبي، المقرون بنمو الإنتاج المحلي المطرد، مع وضع تساؤلات عدة، تتمحور حول الآفاق المتوقعة لكبرى أسواق العالم، كون السوق الأوروبي أحد أبرز الأسواق المؤثرة على المستوى العالمي. وخلصت إلى أن النمو المشترك يظل شيئاً ممكناً في أوروبا لو اتجه القادة والمواطنون الأوروبيون إلى التفاؤل وتخلوا عن السلبية، فيما ينبغي ألا يفسح المجال أمام التهاون حيال تعرض معدلات النمو للخطر والحاجة إلى مواصلة تبني الإصلاحات الهيكلية لتأمين مستقبل المشروع الأوروبي، فيما تشمل المجالات الأساسية ذات الأولوية على صعيد الإصلاح بناء قدرات رأس المال البشري، وحماية دور البنك المركزي الأوروبي بوصفه حكماً وجهة تنظيم، وتشجيع الابتكار عبر القطاعات كافة بما فيها البنوك ومؤسسات التمويل، والاستثمار في البحث والتطوير للتنافس مع الاقتصادات العالمية، بما في ذلك الولاياتالمتحدة. واشترطت أن يقدم الممثلون من المؤسسات الوطنية، استنتاجات إيجابية بشأن حالة التقدم في بلدانهم قياساً على الأمم الأوروبية الأخرى، وأن الإيمان بأن الآفاق المستقبلية في أوروبا مبشّرة، وهو الشيء المشترك الذي يجمع بينهم، لكن يمكن بذل المزيد من الجهد لتعزيز منطقة اليورو في مواجهة الصدمات المستقبلية المحتملة. وقال المحرر التنفيذي في مجلة الإيكونوميست دانيال فرانكلين: "هناك كلمة ترتبط حالياً بأوروبا لم ترتبط بها منذ زمن، وهي التفاؤل". فيما أوضح المؤسس والرئيس لبوسيتيف بلانيت جاك أتالي أن فرنسا تتمتع بقيادة سياسية قوية وأجندة إصلاحية قابلة للتحقيق، مؤكداً أن مسؤولية الاستجابة تقع على عاتق البلدان الأوروبية الأخرى لا فرنسا بمفردها. وأكد كبير الاقتصاديين في مجموعة سيتي غروب ويليام بيتر أن التعافي الدوري ناتج عن حقيقة أن أوروبا كفّت عن إثارة المتاعب لنفسها بشكل يومي، وتحولت إلى فعل ذلك بشكل أسبوعي. ووصف الرئيس القُطري لروتشيلد غروب في ألمانيا مارتن رايتز الاقتصاد الأوروبي بذي الدرجة الكبيرة من العالمية، مبيناً أنه كلما نما شيء في العالم، نمت معه أوروبا. ووجد الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة يورونكست ستيفان بوجناح أن الابتكار والاستثمار في رأس المال البشري هو السبب الوحيد في نجاح أوروبا في وجه التحديات المعقدة. وقال بخصوص عنوان هذه الجلسة: "إذا كنتم تؤمنون بأن أوروبا انهارت فستخسرون أموالاً، وإذا كنتم تؤمنون بأن أوروبا عائدة فسوف تربحون أموالاً". وبين رئيس مجلس إدارة بنك بي إن بي باريبا جان ليمير أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ينتهج مساراً مختلفاً تجاه أوروبا وليس الكل متفقين معه في ذلك، والفائز من وراء الانتخابات الفرنسية هو أوروبا. وفيما يتعلق بالاقتصاد الإيطالي، قال الرئيس التنفيذي ليوني كريديت غروب جان بيير مستيه: "الاقتصاد الإيطالي من أقوى البلدان في الخبرة الهندسية في أوروبا". من جهة أخرى أجمع عدد من رواد الأعمال العالميين في مبادرة مستقبل الاستثمار على دور الجيل المقبل في إعادة تشكيل عالم الأعمال والثقافة والاستثمار والمجتمع، وذلك خلال الجلسة النقاشية الصباحية في اليوم الثاني من المبادرة التي تنعقد في الرياض. وتطرق المتحدثون إلى التوجه العالمي لدى الجيل الجديد في سوق العمل اليوم، مشيرين إلى أن الحوافز على صعيد ريادة الأعمال تتجاوز في أهميتها مجرد النظر إلى الأرباح. وتناول الشريك المؤسس في شركة "فيفتي ييرز" سيث بانون، وهي إحدى الشركات التقنية الرائدة في سيليكون فالي، أهمية القضايا الاجتماعية والبيئية للشباب اليوم، مبيناً أن خيبة أمل الشباب اليوم ليست من الرأسمالية التي سيطرت على العالم خلال الأربعين عاماً الماضية". وتوقع أن يحدث الجيل المقبل تحولاً على مفهوم الرأسمالية، بحيث يحقق توازناً بين الأرباح ومعالجة المشاكل التي يعاني منها المجتمع، مفيداً أن رواد الأعمال الجدد الذين يطلقون مشروعات أعمال تهدف إلى التعامل مع مشاكل العالم الملحة يملكون فرصة أكبر لتحقيق النجاح. ومن جانبها أوضحت رئيسة شركة ديدي شوكسنغ الصينية لمشاركة الرحلات جين ليو التي يبلغ عدد مستخدمي تطبيقها 400 مليون في الصين، الأثر الكبير للتقنية في تحفيز الاتجاهات الجديدة وتوفير الفرص، مستعرضة التقدم الذي حققته شركتها، مشيرة إلى أنه قبل خمس سنوات لم يكن سائقو سيارات أجرة في الصين يستخدمون هواتف ذكية. بدوره، أفاد مؤسس مجموعة مارا الأفريقية أشيش تاكر، الذي بدأ مسيرته في عالم ريادة الأعمال في سن الخامسة عشر، أن الاستدامة أمر في غاية الأهمية، مفيدًا أن الشباب عبر القارة حريصون على الانخراط في العالم، ويبدون استعدادات كبيرة على مستوى ريادة الأعمال، والشباب ليسوا قادة المستقبل، بل هم قادة اليوم. وتطرقت الرئيسة التنفيذية لمستشفى وعيادات أستر دي أم للرعاية الصحية في الإمارات العربية المتحدة أليشا موبين، لكيفية عمل الشباب اليوم على تحفيز التغيير على مستوى الحكومة، متناولة قيام دولة الإمارات بتعيين وزراء للسعادة والذكاء الاصطناعي، وذلك في إطار سعيها لتبني الاتجاهات الناشئة والاستفادة منها.