ارتبط تاريخ الإنسان بالمعادن.. يُعد استعمالها علامة فارقة في تطوره وانتقاله من "العصر الحجري" إلى "النحاسي" إلى "البرونزي" إلى "الحديدي" إلى عصر السبائك المعدنية الحديثة... وكان المهندس الإنجليزي هنري بسمر قد اكتشف (في منتصف القرن التاسع عشر) طريقة سهلة لإنتاج الحديد الصلب بكميات تجارية زهيدة.. ومن يومها أصبح الفولاذ مادة الصناعة الأساسية (ومايزال كذلك في قطاع التشييد والصناعات الثقيلة) حتى خطف منه السيليكون الأضواء في نهاية الخمسينات.. ففي عام 1958 ظهرت في أميركا أول شريحة إلكترونية متكاملة مصنوعة من السيليكون (العقل المفكر للأجهزة الإلكترونية الحديثة).. ورغم أن السيليكون ليس معدناً كالنحاس والحديد. دخلنا بفضله عصر الكمبيوتر والأجهزة الذكية وأصبح علامة فارقة على انتقالنا من عصر الصناعة إلى عصر المعرفة-... ورغم أنه مايزال العنصر الأبرز في عصرنا الحالي (بدليل الجهاز الموجود في جيبك) أعتقد شخصياً أن عصر السيليكون سينتهي قريباً لصالح شرائح ذكية تصنع من مواد عضوية حية (كالموجودة في دماغك) أكثر منه ذكاء وقابلية للتطور.. ولكن؛ الشرائح الذكية (سواء صُنعت من السيليكون أو المواد العضوية) لا يمكنها العمل دون طاقة كهربائية.. لهذا السبب سنظل بحاجة لمعدن الليثيوم (الذي أعتبره معدن المستقبل) لصنع البطاريات الكهربائية لسنوات طويلة قادمة.. والليثيوم كما يعرف معظمكم يُعد مكوناً أساسياً في أجهزتنا الذكية.. فهو مادة مثالية لصنع بطاريات الكمبيوتر والهواتف والأجهزة الذكية ويمكن دمجه مع أجهزة تصغر عاماً بعد عام.. خفة وزنه تجعله بمثابة إسفنجة تمتص أكبر قدر ممكن من الطاقة الكهربائية ضمن حجمها الصغير- ناهيك عن سلامته النسبية مقارنة بالبطاريات الحمضية... قبل بطاريات الليثيوم كانت بطاريات الرصاص (كالموجودة في سيارتك) تبلغ من الضخامة والحجم والخطورة استحالة حشرها في أي جهاز.. كان يصعب استعمالها لصنع أي شيء (ولا حتى سيارة تعمل بالطاقة الكهربائية) لأن البطاريات نفسها ستفوق في حجمها ووزنها السيارة نفسها.. وأعتقد شخصياً أنه ما لم تكتشف تقنية مختلفة لشحن الأجهزة المحمولة (عبر موجات الأثير مثلاً) سيظل الليثيوم هو المعدن المسيطر حتى نهاية القرن.. يصعب حسب معلوماتي تعويضه بأي معدن آخر كونه ثالث عنصر فقط في الجدول الدوري والأكثر خفة بعد غازي الهليوم والهيدروجين... المدهش أكثر أن الليثيوم ظل حتى عام 1991 معدناً مهملاً وغير ذي قيمة حتى فاجأت "سوني" العالم بصنع أول جهاز إلكتروني يعمل بواسطته.. وكما ساهم الفولاذ في نهضة إنجلترا، والنفط في بناء أميركا، سيساهم الليثيوم في جعل بوليفيا الدولة الأبرز مستقبلاً كونها تملك ثلث الاحتياطي العالمي من هذا المعدن الذي يزداد عليه الطلب السنوي بنسبة 20 %... الخبر الجيد أن السعودية تضم كميات كبيرة منه، والخبر السيء أننا لم نستخرج شيئاً منه حتى الآن.