يعاني كثير من مراجعي الجهات الحكومية من تشتت مباني الوزارات والأجهزة الحكومية من خلال الانتقال من مبنى إلى آخر وفي أماكن متفرقة وبعيدة، مما يعطّل معاملاتهم ومصالحهم، في الوقت الذي تعاني فيه بعض هذه الجهات من بطء في التعامل الإلكتروني الذي يسهل على المراجع متابعة معاملته من أي مدينة أو موقع. وطالب كثيرون بضرورة الاستفادة من المبالغ الكبيرة التي تخصصها هذه الوزارات في استئجار أو بناء أو شراء مبانٍ جاهزة ومكتملة الخدمات بحيث تنتقل لها كافة الإدارات، بشكل يسهم في راحة المراجع وتقديم الخدمات له تحت سقف واحد. قيمة الوقت وقال عبدالله العقيل -باحث في الشؤون الاجتماعية-: من دواعي تقدم الأمم هو حساب قيمة الوقت وإدراكهم أنه قيمة غير مستردة، وفي الواقع إن تناثر بعض المباني الحكومية التي تلامس حاجة المواطن مباشرة في أحياء عديدة وعدم تجمعها في مكان واحد يجعل الهدر كبيراً، ويبدد الوقت، رغم وجود مبانٍ رئيسة مرجعية لتلك الدوائر، مبيناً أن بعض المسؤولين يبعد إدارة تابعة له تهرباً من الحمل الوظيفي، ويجعلها إدارة منفصلة جزئياً وبعيدة عن المركز، وهذا ما يعيق المراجعة في تلك الدوائر ويساهم في هدر الوقت وزيادة التلوث البيئي جراء التنقل بينها، وعلى الرغم من وجود المعاملات الإلكترونية التي طبقتها كثير من الإدارات، إلاّ أنه للأسف الشديد مايزال بعضها قاصراً؛ لأن الردود تكون بهيئة أرقام بشكل لا ينفي جهالة المراجع على معاملته، فنجده يحتاج للمراجعة الشخصية والتنقل بين الدوائر، فتناثرها بين الأحياء أصبح مشكلة كبيرة في ظل الازدحام المروري وعدم توفر المواقف، مما أكسب مراجعة الدوائر صفة العبء الثقيل جراء التنقل بينها. وأضاف: عليه فإن استحداث مكتب المراجعة الموحد لكل الدوائر هو خطوة للأمام، ويحفظ الوقت، ويقضي على المحسوبيات، ويحمي الموظف المسؤول من الإحراجات، بل ويمنحه فرصة أكبر للإسراع بالإنهاء، ويعطي المواطن شعوراً أكبر بالتقدم والانتماء. مهمة التخطيط وأوضح م. حسين القحطاني -مسؤول مشروعات بالمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني- أن مشكلة تشتت مباني الوزرات الحكومية قديمة جداً، فهناك إدارات تقبع في مبانٍ مستأجرة على الرغم من مرور (40) عاماً منذ بدء أعمالها، ومازالت تنتقل من مبنى إلى آخر، وتلك المباني قديمة ومتهالكة ويقع كثير منها داخل الأحياء السكنية، وعلى شوارع فرعية ومصممة لأغراض أخرى غير التي تعمل بها الآن، مما أدى إلى حرمانها من كثير من الميزات التي تحتاجها المؤسسات ذات الطابع الخدمي، مضيفاً أنه يجب أن يكون هناك جهات مسؤولة عن التخطيط في كل وزارة للمباني الجديدة ولو بعد فترة زمنية، وتكون محددة في إطار زمني، وهذا للآسف الشديد سبب أساسي لعدم وجود مباني أفضل للجهات الحكومية، لافتاً إلى أن سوء المباني المستأجرة من قبل الجهات الحكومية أثرّ كثيراً على مستوى الخدمات المقدمة للمواطن؛ لأنّ تحديد وظائف المبنى لابد أن يسبق إنشاء المبنى، وهذا لا ينبطق على المباني المستأجرة، فليس بها قاعات لاستقبال الجمهور. وأضاف أن بعض الجهات الحكومية مجبرة على المباني المستأجرة، لذلك لا يمكن التخلي عنها، فالحاجة تدعو إلى اللجوء، فالخلل في مخططات الأراضي التي لا يراعى فيها توفير مساحات كافية للمباني الحكومية، لذلك بعض الوزارات تعاني من مشكلة عدم وجود أراضٍ مناسبة لتُبنى عليها مشروعاتها، فتكون مضطرة لشراء مبانٍ وقد لا تجدها مناسبة أيضاً، مشدداً على ضرورة أن يجبر أصحاب المخططات العقارية لتحديد أراضٍ كافية للمشروعات الخدمية الحكومية. غير مناسبة وأكد أحمد المعافى -مدير عام الجودة في تعليم عسير- أن الاعتماد على المباني المستأجرة من أهم الأسباب لتشتت المباني الخاصة بالوزارات لصغر حجمها عن المطلوب، وزيادة عدد الإدارات والأقسام في كل عام مع زيادة الحاجة إليها، في الوقت الذي تكون هذه المباني عادة لبعض الإدارات والأجهزة الحكومية يكون مؤقتاً ولمدة قصيرة عند افتتاح تلك الجهة، وذلك لعدم وجود مبنى حكومي لها في ذلك الوقت، مضيفاً أن الحاصل أن بعضاً من تلك الإدارات ظلت مؤقتة على مدى أكثر من (50) عاماً منذ افتتاحها وبدء أعمالها في خدمة المراجعين، ومازالت تعتمد على المباني المستأجرة، مبيناً أن أغلب تلك المباني غير مناسبة، وبقاء بعض الإدارات في مبنى مستأجر ولمدة طويلة، إذ يعتبر استئجار المباني لتلك السنوات الطويلة هدراً للمال العام ولخزينة الدولة على الرغم من الوفرة المالية التي تشهدها ميزانية الدولة في السنوات الأخيرة، خاصةً فيما يتعلق بإنشاء المشروعات والبنية التحتية لجميع المرافق والمباني الحكومية، مشيراً إلى أنه ينبغي الاستغناء عن المباني المستأجرة لأنها هدر للمال العام ولا تلبي احتياجات الناس من كافة النواحي. شركات متخصصة ورأى علي الشمالي -مشرف بالتدريب التقني والمهني بمنطقة القصيم- أن غالبية الوزارات الحكومية التي تقع مقارها في مبان مستأجرة تكون مواقعها غير مناسبة، إذ تقع داخل الأحياء السكنية وعلى شوارع فرعية، ما ينتج عنه تذمر سكان تلك الأحياء من وجود تلك الإدارات والأجهزة الحكومية، خاصةً الإدارات الخدمية ذات الارتباط بالمواطن لما تسببه من إزعاج وازدحام، مضيفاً أن معاناة المراجعين لا تقل عن معاناة الأهالي نظراً لعدم توفر مواقف لسياراتهم، فالشوارع ضيقة والمساحات تكاد تكون محدودة، مبيناً أن المباني المستأجرة من قبل الوزارات والإدارات والأجهزة الحكومية مبانٍ مصممة أصلاً للسكن أو للتجارة، ولا يتناسب تصميمها مع الخدمة المقدمة من تلك الوزارات والإدارات، فهي مصممة كغرف ضيقة، ولا يوجد بها مساحات مناسبة للانتظار، ولا تستوعب كثافة المراجعين وتفتقد كثيراً من الخدمات ووسائل السلامة، مثل مواقف خاصة لذوي الاحتياجات الخاصة ومداخل خاصة بهم ومصاعد وأماكن انتظار للمراجعين، إضافةً إلى عدم وجود مخارج للطوارئ عند وقوع حوادث، مستغرباً من بقاء تلك الوزارات والإدارات لسنوات طويلة جداً دون إنشاء مبانٍ حكومية لها رغم وجود أراض مخصصة لها منذ سنوات. مرافق حكومية وتحدث إبراهيم الغفيلي -مشرف بالمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني بالرياض- قائلاً: إنه يجب على وزارة الشؤون البلدية والقروية أن توفّر احتياجات الجهات الحكومية والوزارات من الأراضي في جميع المناطق لإقامة منشآت عليها، مؤكداً على أهمية أن تراعى في عملية التخطيط وجود أراض للمرافق الحكومية عند البدء في المخططات الجديدة المعتمدة، ومستمرة في تخصيص أراض وإيجاد مواقع للجهات الحكومية لتسليمها عند طلبها، واستكمال إجراءات تخصيص تلك الأراضي، ومخاطبة كتابات العدل للإفراغ وتسجيل الأراضي بأسماء تلك الجهات، وهذا سيساهم في إيجاد الحلول المناسبة والسريعة للوزارات الحكومية لجمع كافة الإدارات في مكان واحد، ليخفف على المراجع الكثير من العناء والمشقة، خاصةً من يصل إلى مدينة كبيرة بحجم الرياض ولا يعرف الشوارع والطرق، وهذا للأسف سبب كثيراً من الإزعاج للمواطنين، وأملنا كبير في أن تحل هذه المشاكل وتكون المراجعة في مكان واحد والاعتماد على النظام الإلكتروني للتخفيف على المراجعين. سد الحاجة وأكد سعيد البشري -رجل أعمال- على أن بعض الوزارات والأجهزة الحكومية تتخذ من المباني المستأجرة وسيلةً لسد حاجة سريعة ومؤقتة لتوفير مكان يزيد من تفعيل الخدمات للمواطن، سواءً كان ذلك على مستوى بعض الدوائر الحكومية المتعلقة بالخدمات أو بعض المراكز الصحية وصولاً إلى الخدمات التعليمية كالمدارس الموجودة بمبانٍ غير مؤهلة، إلاّ أنّه مع مرور الوقت يصبح المبنى المستأجر حلاً نهائياً لبعض الجهات دون محاولة التأمل في أبعاد عدم مناسبة تصميمه بشكل يضمن فاعلية المنشأة ويليق بمستوى خدماتها، ومع مرور الوقت تزيد حاجة الوزارات للمباني نظراً لاستحداث إدارات جديدة ولا يتوفر مبنى قريب فيتم استئجار مبنى بعيد عن المبنى الرئيسي وتتكرر هذه المعاناة في أكثر من وزارة وإدارة حكومية، على الرغم أن حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين -أيده الله- تدعم جميع المشروعات الجديدة والتي تخدم المواطن في كافة المناطق، مضيفاً أن بعض الوزارات تدفع مبالغ مالية طائلة لاستئجار مبنى غير مؤهل يكون بحاجة للكثير من الصيانة والتعديل والترميم ليصل إلى أدنى حد من المواصفات المعقولة ليمثل جهة حكومية، دون الالتفاتة إلى إمكانية تملك مبنىً مؤهلاً وجيّداً بدلاً من استئجاره، فهل الميزانيات الكبيرة التي تدفع سنوياً لأصحاب المباني المستأجرة لا يمكن أن تؤمن مبنى "مُلك" لتلك الجهات؟، بحيث يمكنها تجهيزه بشكل يخدم المراجعين والمستفيدين المترددين على الفرع، أم إنّ الاستئجار لمبانٍ غير مؤهلة وتسخير الميزانيات الكبيرة لها والتي قد تساعد على البناء والامتلاك يمثل أقصر وأسهل الطرق لحل مشكلة تعدد الأجهزة الحكومية القريبة من الناس؟، فمتى نجد مباني حكومية بعيدة عن الأجواء السكنية التي تستهدف شققاً صغيرة غير مؤهلة أو منازل غير جيدة؟، وذلك بذريعة سد الاحتياج. ودعا إلى ضرورة إعادة النظر في المبالغ الكبيرة التي تصرفها الدولة على المباني المستأجرة ، والاستفادة منها في إنشاء مبانٍ جديدة خاصة أنّ بعضها تدخل عبر مناقصات وهي مبالغ خيالية حينما يتم إعادة التخطيط لها، فمن الممكن امتلاك مبنى مجهز بشكل جيد بدلاً من الإيجار.