القرار التاريخي الذي أصدره الملك سلمان بشأن قيادة المرأة للسيارة يندرج في هذا السياق. قرار تنموي وحضاري وحقوقي يعزز الثقة في دور المرأة كشريك وعنصر فاعل في التنمية وفي صناعة إنجازات الوطن يجدر بنا أن نشيد بالتحولات التي نشهدها على المسرح السعودي، فما نعيشه هذه الأيام هو ترسيخ لمنطق الدولة بدليل أن التحديث مستمر دون الانسلاخ من الجذور التاريخية والأطر الدينية والمحددات الاجتماعية وتبين بما لا يدع مجالاً للشك أن ضرورات الدولة حتمت على صانع القرار اتخاذ ما يراه محققاً للمصلحة العامة دون أي اعتبارات أخرى. مشوار طويل تقطعه المملكة الآن، وهي مهيأة لوثبة تقدمية، لاسيما وقد بدأت الخطوات الأولى في درب النجاح، وما هذه الإنجازات إلا إرهاصات لمستقبل مشرق آمن بحول الله وقوته. لا أُجامل، في وقت لم يعد يبحث إلاّ عن الحقيقة، بأنه قد آن الأوان لتسمية الأشياء بأسمائها لأنه كلما تعلق الأمر بالسعودية، وجدت مدحاً مموجاً أو نقداً مقذعاً، وما نطمح إليه هو الحياد، ونظرة المحايد تعترف بأن ما تقوم به السعودية يثير التأمل والإعجاب. الدول لا يمكن لها أن تنشأ وتنمو دون رؤية حضارية وعصرية وحداثة فكر وسلوك، لأن مضامينها هي التي تحدد تقدم المجتمعات أو تأخرها، ولذا فالحداثة تعني تحديداً التقدم والتطور ومواكبة لغة العصر دون أن يعني ذلك الانسلاخ من الموروث أو الهوية. القرار التاريخي الذي أصدره الملك سلمان بشأن قيادة المرأة للسيارة يندرج في هذا السياق. قرار تنموي وحضاري وحقوقي يعزز الثقة في دور المرأة كشريك وعنصر فاعل في التنمية وفي صناعة إنجازات الوطن. وهي تقف إلى جانب الرجل في القيام بمسؤوليتها المناطة بها وتلعب دوراً مفصلياً في هذا الحراك الاجتماعي غير المسبوق. القرار انتصر فيه الملك للمرأة السعودية واختصر وقتاً طويلاً من الجهد والمال لرفع مكانة السعودية عالياً في المحافل الدولية وهو لم يأت رضوخاً لأحد بل انطلاقاً من إرادة سياسية ورغبة شعبية لتأسيس دولة مدنية نحو آفاق أرحب لحياة كريمة ومستقرة لشعبها. كان حلماً من أحلام الظهيرة ولكنه أصبح حقيقة متجاوزاً مضمونه ببعده الحضاري في تشكيل مجتمعنا رغم أنه تأخر كثيراً. أصداء القرار التاريخي للملك سلمان لا زالت تجوب العالم. الملك وولي عهده الأمير النشط محمد بن سلمان ينقلان البلاد لمرحلة جديدة باتخاذ قرارات مفصلية تعيد المجتمع لتوازنه الطبيعي فالسماح لها بالقيادة هو قفزة كبيرة في تحسين ملف وضع المرأة بعدما تم تعزيز شراكتها في المجتمع في العملية التنموية، على اعتبار أنه لم يعد ترفاً بل ضرورة، وهو ما سيترتب عليه بلا أدنى شك إفرازات ثقافية واجتماعية وحضارية ستساهم في نهوض المجتمع لأن قياس تطور الشعوب لا يتم إلا بمقدار فاعلية حركة الوعي والثقافة في المجتمع. ومع ذلك في كل مجتمع هناك فئة فاعلة ومنفتحة وقادرة على الحركة والاشتغال والإنجاز، وهناك فئة أخرى معطلة ومناهضة للتغيير لا يميزها عن الأولى سوى التشدد والانغلاق، ما يجعل تقدم المجتمع وتطوره مرهوناً بأيهما الأكثر تأثيراً في الساحة. وهنا يكمن أهمية دور السلطة في أخذ زمام الأمور وإعادتها إلى نصابها. منطق الدولة لا بد أن يحسم المسألة في نهاية المطاف لأنها مرتبطة بمصلحة شعوب ومستقبل أجيال. في عوالم المجتمعات عادة ما تأتي مطالب التغيير من الطبقة الوسطى الأدنى غير أن الدولة في الحالة السعودية تجدها أكثر تقدماً من المجتمع كونها هي التي تسحب المجتمع للأعلى وليس العكس على اعتبار أن الإنسان هو غاية التنمية والحضارة ومحورهما. الملك سابق الزمن ليرتقي بشعبه لآفاق رحبة، إلا أن البعض ممن لديهم مواقف معينة لم يستسيغوا تلك الخطوة التحديثية الإصلاحية، وهذا أمر متصور، فما كان منهم سوى التقليل من قيمتها، لأنها جاءت بمثابة هدم لمشروعاتهم. إن رفض التحديث والتغيير والتطوير هو ترسيخ لمظاهر التخلف التي تتسم بها تلك الفئات المتشددة التي تنزع لنمط ماضوي تقليدي فالمسألة هنا ليست مطالبات شعبية بقدر ما هي محاولات هزيلة رافضة لقرارات تنموية وحضارية ما يعني مساساً بهيبة الدولة واستقرار المجتمع. صفوة القول: مشروع الملك التحديثي الحضاري هو تكريس لمنطق الدولة، ويهدف لإصلاح الخلل منظوراً إليه اجتماعياً وثقافياً وفكرياً، وهو ما يحقق مفاهيم النهضة والتنوير والإبداع.