كما يبدو أصبح هناك اختزال للمسؤولية الاجتماعية وحصرها على الشركات والبنوك وهو ما يجعل دورها محدوداً في المؤسسات وما تقدمه من ادوار ومعونات اجتماعية غير مباشرة بينما المسؤولية الاجتماعية عكس ذلك فهي تبدأ من الفرد الذي يعتبر مسؤولا عن مجتمعه وهناك مصطلحات كثيرة للمسؤولية الاجتماعية سواء سلوكية أو اجتماعية أو عقدية فهي على المستوى السلوكي وعي الفرد المعرفي والإدراكي بأهمية وضرورة سلوكه نحو المجتمع ومدى تأثيرها في الأحداث المحيطة أما على مستوى المصطلح الاجتماعي فهي الأمور المفروضة من قبل الفرد تجاه المجتمع والمتمثلة في الحقوق والواجبات، وعلى ضوء ذلك فإن المسؤولية الاجتماعية نجدها تبدأ من الفرد وهو المحور الرئيسي لها من واقع وجوده ودوره وانه احد أعضاء المجتمع. المهم في الموضوع أن المسؤولية الاجتماعية على الفرد ليست خياراً يقوم به متى شاء أو يؤديه حسب الرغبة بل هي واجب لأنها مرتبطة باستشعاره لنتائج سلوكية وتحمل نتائج ذلك السلوك وما يترتب عليه من تبعات تجاه ذاته أو تجاه أسرته وأصدقائه والجماعة التي ينتمي لها والوطن والدين وهذا ما أتفق عليه اغلب العلماء.. وهي كما يبدو عبارة عن إقرار والتزام واستشعار وتحمل نتائج. الحقيقة الفرد المسؤول اجتماعياً نجده أكثر توازناً مع نفسه ومع البيئة المحيطة به كلما كان الفرد مسؤولاً اجتماعياً كان أكثر ثقة بنفسه ولديه مستويات متقدمة من تحقيق الذات، لأن الوفاء بالتزامات الجماعة المحيطة به يوصله إلى مراحل متقدمة من تحقيق الذات ومن الوفاء وتحقيق احتياجاته العليا، وهناك ارتباط كبير بين المسؤولية الاجتماعية لدى الفرد ومستوياتها وبين الذكاء العاطفي لديه فكلما كان وفيا بالتزاماته تجاه المجتمع المحيط به سواء في العمل أو البيت أو المجتمع الكبير والوطن كان ذكاؤه العاطفي في مستويات متقدمة وأيضا يتمتع بذكاء ومهارات اجتماعية كونه شخصا موثوقا به ويمكن الاعتماد عليه ويتميز بالإخلاص والانجاز والإنتاجية وحب الآخرين ويبدي تعاطفاً وعطفاً على الآخرين من خلال الكثير من التصرفات والأفعال الملموسة والمحسوسة. ومن خلال النظرة الشاملة للمسؤولية والمشتملة في الاهتمام والفهم والمشاركة نجد أن الأمر مرتبط بسلوكيات ومفاهيم وإدراك الأشخاص للحياة ومسؤولياتها وبصحته النفسية ومستويات ذكائه لذلك فهي جزء أساسي من شخصيته وواجب من الواجبات التي تحقق له التكيف والتوافق الذاتي والاجتماعي والبيئي. اليوم الأب والمدير والفرد والموظف أمامهم الكثير من الأفعال المسؤولة تجاه أنفسهم والمؤسسات التي يديرونها أو يعملون فيها وهي ليست خيارا بل واجب وعلى ضوئه يتم تقييم أفكاره وسلوكياته، فأي مؤسسة سواء عامة أو بيت أمامها مسؤوليات داخلية عديدة تجاه أعضائها أو موظفيها وبدون الدخول في التفاصيل. أعتقد نحن بحاجة إلى صياغة أخرى لمفهوم المسؤولية الاجتماعية وإعادتها إلى وضعها الطبيعي وعدم حصرها في المؤسسات التجارية أو الربحية أو مؤسسات المجتمع المتدني وإنما هي دور وواجب ضروري للفرد سواء مواطنا أو مقيما تجاه نفسه وأسرته ومجتمعه والوطن والبيئة التي يعيش فيها والمجتمع العالمي. وتلك المسؤولية ليست محصورة على الجوانب السلوكية بل أيضا الفكرية والثقافية والقيمية وليس هناك حرية مطلقة بل حرية مسؤولة وشفافية مسؤولة وقسم مسؤولة وأفكار مسؤولة وسلوكيات مسؤولة ومسؤوليات مسؤولة، والمسؤولية الاجتماعية ليست خيارا او عملا تطوعيا فهناك فرق ما بين أدوات وادوار ومستويات وممارسة المسؤولية الاجتماعية وبين الواجبات والضروريات الحياتية. ألم يقل رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم:» كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».