ظهر القدير أبو بكر سالم أمام الجمهور في ليلة الاحتفال باليوم الوطني "87" بشكل مفاجئ وغير متوقع، عطفاً على حالته الصحية التي ذهب بسببها في رحلة علاج طويلة عانى فيها أوجاع المرض، فجاء ظهوره المفاجئ على مسرح ملعب الجوهرة بجدة سعيداً لجمهور انتظره طويلاً، فعاد منتصراً على المرض وفارساً في ميدانه وغنى "يا بلادي واصلي" بما تبقى من صوته الأخاذ ليلهب الحناجر ويردد معه الجمهور كلمات أغنيته الوطنية المشهورة. ليلة الاحتفاء بالوطن كانت ليلة تكريمية للفن الأصيل الذي تمثل في أبو بكر سالم بلفقيه، ذلك الفنان القدير الذي يتذكره أبناء الوطن جيداً منذ أن قدم رائعته "يا بلادي واصلي" عام 1400 ه، وظل موجوداً وقيمة وقامة في فضاء الفن السعودي. كانت هذه الأغنية الخالدة الإشارة الخضراء لدخوله قلوب السعوديين، والتي صنعها بعد لقائه بوزير الإعلام الراحل محمد عبده يماني في المدينةالمنورة، في اجتماع كان الغرض منه تقديم أغنية للوطن، وسافر على إثره أبو بكر سالم من المدينة إلى القاهرة، وكتب كلمات الأغنية وهو على متن الرحلة، وأثبت بها بأنه لم يكن فناناً وحسب إنما أديب بارع، وملحن متمكن، حيث سجلها بلحن من إبداعه في أستوديوهات القاهرة بعد أربع وعشرين ساعة فقط من وصوله للعاصمة المصرية. مشاعر الجمهور الجياشة التي غمرت مسرح جدة لحظة صعود أبو بكر منصة المسرح في الليلة الوطنية، إنما تعبر عن قيمة الفنان القدير في وجدان السعوديين، والشكر كل الشكر لمن ساهم في خلق هذه الفرصة لتكريم واحد من ألمع من غنوا للسعودية في حياته وليس بعد مماته مثلما جرت عادة تكريم الرواد. أبو بكر سالم بلفقيه ليس فناناً عادياً يمكن إهماله أو تجاهله بسهولة، إنه ضلع مُهم في الأغنية العربية، عندما يغني تجد في حركته ألف دلالة على موهبته الأدائية الفّذة وعطائه الوافر. يقول غناؤه روايات لم تختتم بعد، وفي اللحن قصص لم تنته، أبو بكر سالم الذي حدثنا في يوم الوطن مازال يعيش جزءاً من طفولته في جدة التي استقى منها العلم بعد وفاة والده، فكانت أساساً رصيناً لمواهبه وجعلته رائداً من روُاد الطرب الأصيل على مر العقود. لقد تشرب الفن والأدب من أنقى ينابيعه الأصيلة وغدا علماً من أعلام الفن الحضرمي خاصة، والعربي عامة، وأسس لنفسه مدرسة خاصة. حكاية أبو بكر سالم بلفقيه مع الفن تستحق تكريماً مثل الذي حصل في ليلة الوطن. حكاية تمتد لأكثر من ستين سنة تنقل خلالها من حضرموت ثم عدن حتى ذاع صيته عربياً بفضل أغنيته الناجحة "قول لي متى اشوفك" التي قدمها في مرحلة بيروت والتي انتشرت انتشاراً واسعاً ووزعت أكثر من مليون نسخة في رقم قياسي عربي. هذه التجربة الطويلة وثنائيته الشهيرة مع المحضار، وأعماله الشهيرة: "لاني بنايم ولا نيب صاحي" و"يا مروح بلادك" و"عادك إلا صغير"، تجعله رقماً استثنائياً في تاريخ الأغنية وتمنحه الحق في التكريم في ليلة الوطن. أبو بكر حالة وجدانية ممتلئة نغماً وإبداعاً، والجمهور السعودي بشكل خاص ارتبط معه بعلاقة خاصة بعد "يا بلادي واصلي" ومجموعة من الأغاني التي وثقت المملكة ومدنها مثل "يا مسافر على الطايف" و"إلا معك في الرياض" و"برج الرياض". مسيرة وطنية طويلة أثمرت عن محبة الناس التي ظهرت بوضوح في احتفالية اليوم الوطني. إن دلالات تكريم الفنان القدير في مناسبة مهمة مثل اليوم الوطني تثبت المكانة التي يحتلها أبوبكر سالم، كما يدل احتفاء الناس بهذا التكريم التعطش لإعادة الفن إلى موقعه الطبيعي ورفع الفنان إلى المستوى الذي يستحقه من الاهتمام والتكريم والاحتفاء، في حياته لا مماته. وهذه مؤشرات مهمة تشي بأن الفن السعودي مقبل على نجاحات إبداعية كبيرة، وذلك لأن الفن الجميل لا ينمو إلا بالحب والرعاية والاهتمام. تكريم تاريخي لمبدع «يا بلادي واصلي»