يستحضر السعوديون في يومهم الوطني الذكرى الخالدة لتوحيد المملكة العربية السعودية التي تصادف الأول من الميزان، الموافق الثالث والعشرين من شهر سبتمبر من كل عام. وتعد هذه الذكرى السنوية فرصة كبيرة للمواطنين والأجيال الناشئة لاستلهام المواقف البطولية للملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- موحد هذه البلاد ورجاله المخلصين الذين سطروا أروع البطولات وقدموا أغلى التضحيات تحت قيادته الحكيمة. انطلقت معارك التوحيد من العاصمة الرياض، بعد أن افتتحت في الخامس من شوال عام 1319ه، وجعلها الملك عبدالعزيز مقراً لحكمه، ثم انطلق منها لافتتاح باقي مناطق وأقاليم المملكة الشاسعة، حيث استمرت هذه الملحمة الأسطورية اثنين وثلاثين عاماً، سطر خلالها الملك عبدالعزيز ورجاله أروع التضحيات لأجل وطنهم الغالي وبذلوا الغالي والنفيس وأرواحهم ثمناً لذلك، وتم توحيد المملكة العربية السعودية يوم السابع عشر من شهر جمادى الأولى عام 1351ه. ولذا فقد وصف بعض المؤرخين توحيد المملكة بأنها أعظم وحدة شهدها التاريخ الحديث، لأن توحيد المملكة في تلك الظروف الصعبة كان أشبه ما يكون بالمعجزة، نظراً لما تعيشه الجزيرة العربية آنذاك من فوضى كبيرة في كل شيء وانفلات أمني وفقر وجهل ومرض. استطاع الملك عبدالعزيز -رحمه الله- أن يرسي قواعد الأمن والاستقرار في بلاده بعد توحيدها، وكما هو معروف حيثما يوجد الأمن، توجد البيئة المناسبة للنجاح في كافة مجالات الحياة. واستطاع أن يؤسس لبدايات نهضة تنموية شاملة وأنشأ الوزارات والمصالح الحكومية التي تعنى بذلك في مجالات التعليم والصحة والطرق، وأنشئت المدارس في المدن والقرى والهجر، كما انشئت المستشفيات والمراكز الصحية، والطرق التي ربطت أرجاء المملكة المتباعدة والمترامية الأطراف، وقد أنشئ في عهده أول خط سكة حديد بين الرياض والدمام، وتم افتتاحه عام 1371ه -1951م. بعد ان وفق الله الملك عبدالعزيز في انجاز مهمته الكبيرة، وهي توحيد الملكة العربية السعودية، تفرغ للتخطيط والتطوير وبناء مؤسسات الدولة المختلفة التي تقدم الخدمات الحيوية التي يحتاجها المواطنون. وقد كانت الموارد المالية في ذلك الوقت شحيحة، إلا أن الله عز وجل أنعم على هذه البلاد وأهلها باكتشاف عظيم، وهو البترول الذي كان سبباً بعد الله في تحقيق نهضة تنموية شاملة في كافة مجالات وميادين الحياة المختلفة. لم يكتف الملك عبدالعزيز رحمه الله بما تحقق من انجازات داخلية، فقد رأى أنه من الضرورة بمكان الانفتاح على العالم الخارجي وتأسيس علاقات دولية، فالمملكة جزء لايتجزأ من هذا العالم المترابط والمتداخل مع بعضه البعض، فأنشأ السفارات والبعثات الدبلوماسية التي تتابع مصالح وعلاقات المملكة مع بقية دول العالم. وهذا بكل تأكيد يدل دلالة واضحة على نظرته الثاقبة وفكره المستنير الذي سبق عصره بكثير -رحمه الله-. واصل أبناء الملك عبدالعزيز من بعده الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله رحمهم الله جميعاً، البناء والنماء وإكمال المسيرة التي بدأها المؤسس، فازدادت مساحة التطوير في جميع المجالات دون استثناء. في هذا العهد الزاهر، عهد سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو سيدي ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظهما الله- جميعاً، تبوأت المملكة العربية السعودية مكانةً قيادية وريادية على جميع المستويات والأصعدة والساحات الاقليمية والعربية والاسلامية والدولية، وأصبح لها ثقل سياسي واقتصادي ودور محوري غير مسبوق على المستوى الدولي. كما شهدت نهضةً شاملة ونقلة نوعيه في كافة المجالات، وكان الانسان ورأس المال البشري محور التنمية في خطط وسياسات الدولة. ويدعم هذا التوجه والتطور رؤية المملكة العربية السعودية 2030 والتي يعول عليها كثيراً في احداث نقلة نوعية في تنويع مصادر الدخل وتحقيق التنمية المستدامة من خلال اقتصاد المعرفة ورأس المال البشري، ورسم خطط واستراتيجيات وصياغة رؤى اقتصادية حديثة غير تقليدية، من شأنها النهوض بالتعليم والصحة والاقتصاد وكافة المجالات الحياتية الأخرى، وذلك رغبةً في توفير حياة كريمة للمواطنين والأجيال القادمة ومستقبل مشرق للوطن وابنائه بمشيئة الله. حفظ الله لبلادنا أمنها وامانها، وجنودها البواسل الذين يذودون عن حدودها ويدافعون عنها، وأدام عليها نعمه الظاهرة والباطنة، انه نعم المولى ونعم النصير وبالإجابة قدير. وكل عام وانتم والوطن بخير. * أستاذ نظم الحكومة الإلكترونية والمعلوماتية بجامعة الملك سعود