يدين الوسط الاقتصادي والتجاري والعقاري في المملكة العربية السعودية بالفضل بعد - الله سبحانه وتعالى - لجيل الرواد العصاميين المؤسسين من رجال الأعمال الذين وضعوا اللبنات الأولى للقطاعات التجارية المهمة مع بواكير تأسيس الدولة السعودية الحديثة على يدي المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله اوائل القرن الماضي، حيث وضع هؤلاء المؤسسون مع القيادة السياسية أسس البنية الاقتصاد الحديث لدولة نامية تخطو خطواتها الأولى نحو المدنية والازدهار. ويأتي على رأس هؤلاء العمالقة فقيد الوطن الغالي العم محمد بن إبراهيم السبيعي الذي لاقى ربه الشهر الماضي بعد مسيرة حافلة بالعمل والعطاء والانجاز أسهم فيها بشكل كبير في انعاش الحركة الاقتصادية للمملكة منذ مطلع الأربعينيات من القرن الماضي، ووضع فيها مع رفاق دربه ومن بينهم (سليمان بن غنيم، وسالم بن محفوظ، وصالح الراجحي، وبن مقيرن وغيرهم رحمهم الله) اللبنات الأولى للقطاعات المصرفية والتجارية العقارية والخدمية، وكان الفقيد الغالي بحق معول بناء نافع لاقتصاد البلاد ومساند متميز لجهود ولاة الأمر السبعة (الملك عبدالعزيز، الملك سعود، الملك فيصل، الملك خالد، الملك فهد، الملك عبدالله، رحمهم الله، والملك سلمان حفظه الله). ولقد من الله علي في بدايات حياتي العملية أن جعلني من جيران الفقيد وأهل حيه العامر، ولقد شجعني كرمه ولطفه وبشاشته أن اقترب من دائرته الخاصة واقتبس من نور حكمته وتجربته، فكنت مواظباً على زيارته، قريباً من اجتماعاته الأسبوعية فتعلمت من سلوكه ومنطقه وتجاربه الشيء الكثير. اعتاد الفقيد رحمه الله علي بالمبادرة بالسؤال عن أحوالي واعمالي التجارية وكان يبادرني بالنصح والتوجيه حيالها بروح الأب الحاني ونظرة الخبير الثاقبة، وان جاز لي اختزال مئات النصائح والتوجيهات التي اسداها لي رحمه الله حول ادارة الأعمال التجارية فإني أوجزها في ثلاث نقاط: الركيزة الأولى: كانت كلماته وتوجيهاته العفوية تنصب دوما نحو وجوب التمسك بالقيم الاسلامية والعقيدة الايمانية من جهة تعزيز التوكل على الله في اتمام وانجاح الجهد الانساني، وأهمية ضرورة اتقاء الله في كافة مراحل المشروع من خلال الوفاء بالعقود والالتزامات تجاه جميع الأطراف. الركيزة الثانية: كان رحمه الله يوجهني دوما إلى وجوب اعداد التصور الدقيق المتكامل عن المشروع أو الفرصة من حيث سلامه اجراءاتها وشرعية التعامل بها وتحديد درجة المخاطرة فيها، ومعرفة هامش الربح المتوقع فيها، وكان يشدد على أهمية الاستعداد المبكر للعقبات التي قد تطرأ بعد الدخول فيها. الركيزة الثالثة: كان رحمه الله دوماً على وجوب متابعة رجال الأعمال بنفسه لمشاريعه وأعماله ونشاطاته، وكان يحذر دوماً من التكاسل والتواني عن متابعة المشروعات، وكان يردد دوماً أن التاجر الناجح هو الذي يدرك تفاصيل مشاريعه، ويتابع مؤشرات تقدمه، وكم كان في هذا المجال أسوة حسنة لمن اقترب منه اذ كانت قدماه تحمله الى اراضي المشروعات ويداه تراجعان الحسابات والخطابات والمراسلات، وزياراته واجتماعاته المستمرة مسخرة في تذليل الصعوبات أينما كانت. وختاما أقول لقد فقدت الدولة والمجتمع والوطن برحيل محمد بن إبراهيم السبيعي رجلا عظيما استثنائيا قدم لدينه ووطنه ومجتمعه الشيء الكثير من أعمال البر والإحسان، وترك وراءه كيانات خيرية عملاقة تدار على أكفأ النظم الإدارية، وتلتزم بمتطلبات العمل المؤسسي، وتؤازر جهود الدولة والقطاع الخيري في مكافحة ثالوث الفقر والمرض والجهل. أما أنا كاتب هذه السطور فقد فقدت شخصيا برحيل والدي محمد إبراهيم السبيعي رحمه الله أبا ناصحا راعيا وموجها حكيما واعيا، حيث كانت مواقفه تمثل لي أنموذجا عمليا لمعاني الحكمة في اتخاذ القرارات، وكانت شخصيته المحافظة تشكل صورة ناصعة أمامي لمخافة الله في سبل تحصيل وصرف الدرهم والدينار، وكانت شخصيته المميزة فكرا وشعرا ووطنية ونبلا تمثل لي قدوة أطمح إلى الوصول الى منزلتها يوما ما. رحمك الله أبا إبراهيم واسكنك فسيح جناته، وبارك في ذريتك وعقبك، وجزاك الله خير الجزاء على ما قدمت من بذل وإحسان ومعروف.. "إنا لله وإنا إليه راجعون".