الفرق الجوهري بين مصطلحات القومية والهوية في كون الشعور بالقومية يبحث عن السمات المشتركة بين جماعة من الناس بينما تبحث الهوية فيما يميز هذه الجماعة عن غيرها من الجماعات.. يعد مصطلح (الهوية) من أعقد المصطلحات التى يتعرض لها الباحثون، فهو كمصطلح فلسفي يخلط فيه الكثيرون مع مصطلح (القومية)، ولذا نتعرض في هذا إلى التفرقة بين هذين المصطلحين ودورهما في المجتمع الذي يتكون من مجموعات «المجتمع هو مجموعة من الأفراد الإنسانيين الذين يعيشون تلقائيا، ولهم تقاليد وعادات واحدة وآمال وغايات يريدون تحقيقها بوسائل مرسومة». فالقومية هى علاقة تجمع بين صفات وخصال مجموعة من الأفراد داخل مجتمع واحد له ظروف اجتماعية وثقافية واحدة أو بين المجتمع والمجتمعات المجاورة له. فالقومية تجمع عناصر متشابهة ولا تعنى بجوهر الأشياء فالعلاقة هنا خارجية لأنها -أى القومية- تصلح مثلا في مجتمع متعدد الأديان وتتوفر فيه حرية العقيدة. ولأن الدين الإسلامي واحد لا يتجزأ فقد كان اختيار لفظ «الهوية» تنطلق بطبيعة الحال للتعبير عن المجتمع السعودي ذلك أن الهوية في تعريفها الفلسفي المجرد الشامل هي كما في المعجم الفلسفي: «مبدأ يعبر عن ضرورة منطقية تفضي بأن يكون كل معنى يتصور على أنه عين ذاته فلا يتغير الحال، وما هو صادق دائما وفي مختلف الأحوال والموجود هو ذاته دائما لا يختلط به غيره وتلتبس به ما ليس منه ويسمى بمبدأ وحدة الذات». ومن هنا يتضح أن الهوية تعبر عن أصل الشيء الذي لا يتغير والصادق دائما والموجود دون أي اختلاط به، وكما جاء في التعريف المعجمي الآخر بأن الهوية هي: «حقيقة الشيء أو الشخص الذي تميزه عن غيره. أو البطاقة التي يثبت فيها اسم الشخص وجنسيته ومولده وعمله». فالهوية هى حقيقة الشيء أو الشخص وهذه الحقيقة هي التي تميز هذا الشيء أو الشخص عن غيره وهي تطابق في هذا المعنى كلمة (هو، هو) والتي تعني ثبات الشيء بالرغم مما يطرأ عليه من تغييرات، فالجوهر (هو، هو)، أو هو نفسه وإن تغيرت أعراضه. وقد يسمى ما به الشيء هو، هو «ماهيته» لكن «الماهية» عند ابن سينا -وهو يتفق فى ذلك مع ارسطو- هي مطلب ما هو؟ ويحدد «الجرجاني أن «الأمر المتعقل من حيث هو مقول في جواب ما هو يسمى ماهية، ومن حيث ثبوته في الخارج يسمى حقيقة، ومن حيث امتيازه عن الأغيار هوية ومن حيث حمل اللوازم له ذاتا، ومن حيث يستنبط من للفظ مدلوله، ومن حيث أنه محل الحوادث جوهرا». وهكذا يشير أيضا الجرجاني إلى علاقة «الهوية» بالتميز والخصوصية وهو ما أكده «الفارابي» أيضا حين قال بأن: «هوية الشيء، وعينيته، وشخصه وخصوصيته ووجوده المنفرد له الذى لايقع فيه اشتراك». والماهية بهذا المفهوم تحمل صفة الكلية كماهية الإنسان مثلا أما الهوية فتحمل معنى الجزئية كحقيقة فلان مثلا. وتطلق الهوية على الشخص أو على الموجود المشبه بالشخص إذا:«ظل هذا الشخص ذاتا واحدة رغم التغييرات التي تطرأ عليه فى مختلف أوقات وجوده». وهو ما يعرف بالهوية الشخصية. من حيث الجوهر، وهو الذي ليس في موضوع، أو الذي لا يحتاج إلى ذات أخرى يقارنها حتى يقوم بالفعل «كما ورد في المعجم الفلسفي. ويقترب هذا من مفهوم الفيلسوف الألماني «كانت» لما يسميه «النومين» وهو ما يقوم بنفسه بمعزل عن معرفتنا به، وهذا الجوهر قد يكون ملازما للشيء أو الشخص. واذا وجدنا نوعاً من الترابط بين مفهوم الهوية وبين مفهوم الوجود «للذات» من حيث إن الهوية عند الإنسان تعني حقيقته التى تميزه عن غيره بصرف النظر عن وجوده الخارجي. ومقارنة بمفهوم «القومية» لدى الإنسان فهي لا تعبر عن حقيقته أو جوهره المتفرد عن غيره من الناس، بل هي شعور أو إحساس برابطة تجمع هذا الإنسان مع غيره من بني البشر نتيجة اشتراكهم في بعض السمات الجوهرية لكل منهم، وهذه السمات هى ما أشار اليها الباحثون في علم الاجتماع بمصطلحات كالطابع القومي أو الشخصية القومية، أو الشخصية الاجتماعية.. الخ وهكذا يتبلور الفرق الجوهري بين مصطلحات القومية والهوية في كون الشعور بالقومية يبحث عن السمات المشتركة بين جماعة من الناس بينما تبحث الهوية فيما يميز هذه الجماعة عن غيرها من الجماعات، ومن هذا المنطلق وجب الوقوف على الفرق بين المصطلحين اختيار لفظ «الهوية» للممارسة المسرحية بالمملكة العربية السعودية، لما للمجتمع السعودي في السعودية من سمات خصوصية انعكست على المسرح، ولأن المجتمع له الأثر أعلى فى مختلف مظاهر الحياة في المجتمع السعودي، بالإضافة الى خصوصية هذه الهوية في السعودية والتي نبعت من اختيار الشريعة الإسلامية بمبادئها لكي تشكل جزءاً أساسياً من هوية المجتمع السعودي بما تأصل فيه من عادات وتقاليد وأعراف أملتها عليه ظروفه البيئية التاريخية والثقافية. ولذلك احتفظ المسرح السعودي بخاصيتين مهمتين رغم ما طرأ عليه من تطوير وتحديث مما يحقق له مصطلح (الهوية) فتمثلت الهوية في المسرح السعودي بهما لما يميزه عن غيره في: 1- نمطية الشخصية في تكوينها الدرامي كما في الفنون التشكيلية الإسلامية التي لا تعتمد على النحت أو المنظور، 2- عدم ظهور المرأة في المشهد التمثيلي المسرحي.. هاتان الخاصيتان هما اللتان حققتا للمسرح السعودي سمة (هوية) تميزه عن غيره كما في المصطلح ذاته وأعتقد أنهما ميزتان تجعلان المسرح السعودي ذا (هوية) خاصة تميزه عن غيره في عالم المسرح على مدار تاريخ الفن.