لماذا دائماً نصغي لما هو ثابت.. أو ماتعودنا سماعه.. وينبغي أن يكون هو الطريق الذي نتحرك عليه ولا نغير المسار؟ يقال دوماً: أن ّ الحياة بدون الآخرين لاتساوي شيئاً.. وأنها تصبح كئيبة بدون الآخر.. قد يكون ذلك ينطبق على أوقات معينة.. وليس لكل الأوقات.. التي ينبغي عليك أن تكون فيها وحيداً تستمتع بذاتك وبهدوئك.. وبوجودك مع نفسك.. تحتاج الناس مثلاً في السفر ولكن ليس كل لحظات السفر.. فالمتعة أحياناً أن تتحرك لوحدك.. تفعل ما لاتستطيع أن تفعله في مدينتك.. تمشي على أقدامك مسافات طويلة متحللاً من الطقس وملابسات اعتدت عليها عندما تمشي.. تتوقف أمام واجهات المحلات.. تبتسم للغريب الذي لاتعرفه.. تسمع حكاياته.. تركب المترو.. تذهب إلى السينما.. تدخل السوبر ماركت.. تتسوق في مكان للمرة الأولى.. تشعر بمتعة طاغية.. وأنت تمارس طقساً بسيطاً ولكنه ممتع بالنسبة لك.. الأهم من ذلك أنك تتحول مع وحدتك المختارة إلى طفل تتراقص ضفاف قلبه استمتاعاً بالحياة البسيطة التي حصل عليها وحيدا.. هل هذه هي السعادة.. بالتأكيد هي.. بمكونات بسيطة ولكن نتائج الخلطة سحرية عليك.. وتأثيرها سيستمر لفترة طويلة.. لأنك تعرف الطريق إليها منذ زمن واخترتها داخلك مع اختلاف الأمكنة التي تتردد عليها.. البعض لا تستقيم الحياة لديه إلا بالناس وضجيجهم.. ولا يعرف يأكل إلا بالناس.. ولا يتحدث إلا مع الناس.. ولا يسافر إلا مع الناس.. ولا يعرف السهر إلا معهم.. لا يعرف نفسه إلا من خلالهم.. الأصدقاء.. أو الأقارب.. أو أي شخص يقابله في الطريق أو السفر.. يكره الوحدة.. تقتله.. يعيش مع الآخرين ولهم.. يشعر بالكآبة إن غاب عنه الآخر.. لأن مساحة من الوحدة تخنقه.. ولا يجد نفسه داخلها.. هكذا تعود.. وهكذا يصنع سعادته.. ويعيش أيامه.. مع الناس وبالناس.. يسمع داخله من خلالهم.. ويقرأ أزمنته في وجوههم.. ويبتكر الطريق من أجلهم.. ويذهب إليهم ويأتون إليه.. هذه هي السعادة الحقيقية بالنسبة له.. ولكن كيف نجلب السعادة لداخلنا دون الحاجة لأحد.. ودون طلب مساعدة؟ يقول تي هارف ايكير «السعداء يبنون عالمهم الداخلي.. والتعساء.. يلقون باللوم على عالمهم الخارجي».. هذه السعادة التي تتغلغل في الأعصاب أحياناً من تفاصيل صغيرة وغير مرئية هي التي يصل إليها من عرفوا كيف يبنون عالماً داخلياً خاصاً يأتي إليهم داخل مخيلة مفتوحة على كل الكواكب لا تحتاج إلا شخصا ذاته لتزهر على ضفافه.. دون الحاجة إلى العالم الخارجي.. ليشركه معه فيها.. في الوقت نفسه يشعر الآخر الذي يجهل كيف يبني عالمه من ذاته ومن تفاصيل تتوفر حوله أنه داخل عالم موحش يتسبب له بهذه التعاسة وهذا الإحساس السيء الذي يكاد يخنقه.. ولم يعتاده..! والفرق هنا ليس القدرة على بناء كل منهما عالمه الخاص به.. ولكن في الرؤيا التي صاغ بها حياته وشكّلها من أجل أن يسعد بطريقته.. ولكن ظل من بنى عالمه الخاص أكثر تميزاً وعدم حاجة للآخر..