مشهد قافلة الدواعش التي انطلقت من جرود القلمون الغربي بلبنان داخل باصات مكيفة، وعلى مرأى ومسمع من العالم، مخفورة بحماية ميلشيا حزب الله، مقابل مقايضة على تبادل أسرى ورفات، كان مشهداً مريباً وغامضاً، فالدواعش رغم أعدادهم التي تقترب من 300 مقاتل كانوا مستسلمين كالنعاج بشكل لا ينسجم مع طابعهم الانتحاري، ولكنه بالتأكيد مشهد يكمل الخلفية الاستخباراتية التي كانت في السابق مواربة وخلف الكواليس. وطفا على السطح بوضوح عمق الخلافات في لبنان بين الدولة الرسمية والشرعية التي يمثلها الجيش اللبناني، وبين مليشيا حزب الله (إشكالية الدولة والدويلة)، وفي دولة ذات تركيبة سكانية وسياسية معقدة كلبنان؛ نجد أن الخلاف اللبناني طال شرائح كبيرة، منها بعض الأطراف الشيعية العربية نفسها حيث يذكر المحلل السياسي د. حارث سليمان (إن من كان يتشدقون بشعارات الممانعة، يضحون بأفراد الجيش اللبناني ويؤمنون سلامة عملائهم الداعشيين للذهاب إلى منطقة آمنة)، وإن كانت الطوائف المسيحية تحاول أن تبقى على الحياد في المواجهة السنية/ الشيعية داخل لبنان من منطلق (فخار يكسر بعضو) إلى أنهم يعون عميقاً خطر سياسات حزب الله وتورطه العميق في الحرب السورية وانعكاس هذا سلبياً على الأمن القومي اللبناني. ولكن في النهاية سيتضح لنا عبر المشهد جزء من أجندة مشروع الهلال الشيعي وإحداث خلل ديموغرافي يجعلها توسع نطاق نفوذها الإقليمي، وتواصل شيطنة الطائفة السنية وجعل داعش عنواناً لها. وإن كانت بعض المصادر تشير إلى أن تجمع مقاتلي داعش في شرق سورية في منطقة البوكمال على الحدود العراقية، هي لتصفيتهم جميعاً وتخليص العالم من شرورهم، إلا أنه يبدو سيناريو خيالياً مشابهاً لمعركة هرمجدون في التراث المسيحي التي يُحشر فيها المسيح الدجال وأتباعه في وادي مجيدو كي يتم القضاء عليهم. بينما هي في حقيقتها جزء من مخطط تقسيم المنطقة طائفياً وعرقياً، وامتداد لتلك الخرائط المريبة التي كانت تسرب حول منطقة متشظية وفق تقسيم طائفي عرقي، ومضت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون السابقة (إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم) إلا أنه بقي مشروعها فاعلاً في المنطقة والتحركات تمضي قدماً في برنامج تقسيم المنطقة وفق مرجعية طائفية عرقية. فهناك تصويت شعبي سيتم في أربيل الكردية يوم 25 القادم على الاستقلال التام عن الدولة العراقية، يرفض الأكراد التراجع عنه بتاتاً بتعنت عجيب هذه المرة، أيضا رغم إن الحكومة العراقية أدانت بشدة التحرك الكردي، وزرع الدواعش على حدودها وهي التي خرجت للتو من معركة هائلة مع التنظيم لتطهير الأراضي العراقية، إلا إن المخطط يأخذ صيغة دولية أكبر من الإدانة العراقية. الحرب السورية المدمرة التي استمرت ست سنوات وأخذت في طريقها مئات الآلاف من القتلى والمهجرين والدمار الشامل، عملية إنهائها وإخمادها لن تكون سهلة، والمقايضات التي تقوم على طاولة المفاوضات حتماً ستكون ظالمة وغير عادلة لكثير من الأطراف المتضررة، ولعل المستقبل يجلب لنا المزيد من الأوراق المريبة التي وظفت لإنهاء الحرب وتقاسم مناطق النفوذ دولياً.