أضحى من المؤكد أن داعش على وشك هزيمة ساحقة نكراء في العراق، بعد بدء عملية الموصل المنتظرة وتحرير الجغرافيا العراقية بكاملها من الوجود الداعشي فوق الأرض، وإن كان سيبقى بعض الجيوب من تشكيلاتها وخلاياها تحت الأرض. لكن السؤال الذي لا بد من طرحه الآن، وسيشكل معضلة حقيقية مستقبلا للعراقيين، سنة وشيعة وربما أكرادا أيضاً، هو (الاحتلال الفارسي) للعراق، هذا الغول الشرس لن يخرج من العراق بعد تطهيرها من الدواعش بسهولة، ولاسيما أنه دخل العراق ليبقى، وهو الآن متمكن من مفاصل السلطات الثلاث التي تحكم العراق، وتحديدا السلطة القضائية إضافة إلى التنفيذية والتشريعية - (البرلمان) - ولديه من النفوذ والقوة تحت الأرض ومن فوقها ما يجعله سيؤجج التباينات الطائفية، ويبقيها مشتعلة لتصب نتائجها في النهاية لمصلحته. ومعروف أن الحرس الثوري الإيراني، ومندوبه في العراق، «قاسم سليماني» قد كوّن قوة مسلحة ضاربة هي ميليشيا (الحشد الشعبي الشيعي)، وسلح كوادره بأسلحة وإمكانيات في منتهى القوة، ليكون دورها في العراق بعد طرد داعش مثلما هو دور حزب الله في لبنان، يكرس قوة ونفوذ وسلطة ملالي الفرس في هذه الأرض العربية، التي استعصت عليهم منذ عمر بن الخطاب، وجاء الاحتلال الأمريكي فسلمها للملالي من خلال عملائهم في العراق. نوري المالكي طائفي حتى العظم، متعصب، ولص كبير، وتاريخه السياسي ينوء بالعمالة لإيران على رؤوس الأشهاد، وكتلته السياسية هي الأقوى والأكثر نفوذا في البرلمان، كما أن رئيس الوزراء العراقي الحالي «حيدر العبادي» ينتمي حركيا إلى (حزب الدعوة) الشيعي المتأسلم، الذي يستمد قوته وشعبيته من نزعته الطائفية الشيعية وولائه لإيران، إضافة إلى أن «العبادي» نفسه رجل ضعيف، لا يملك كاريزما القيادة، وبالتالي القدرة على مواجهة الأحزاب السياسية المتنفذة التي يكتنفها الفساد من الرأس حتى أخمص القدمين. والإيرانيون الفرس يهمهم أن ينخر الفساد وتنتشر السرقات واللصوصية بين كوادر الأحزاب السياسية، وكذلك العناصر المتنفذة في القضاء، لأن ذلك من شأنه تمكينهم من التحكم في القرار السياسي العراقي وتجييره لمصلحتهم. وفي تقديري أن الاحتلال الفارسي للعراق يفوق في مضامينه أي احتلال أجنبي عرفه العراق في تاريخه، حيث تلتهم النعرة الطائفية التي يكرسها هذا الاحتلال المواطن العراقي، ويجعل الأخوة المذهبية تعلو على الأخوة الوطنية، وبالتالي يصبح (الفارسي الشيعي) أقرب إليه من السني العراقي؛ وهنا أس المشكلة التي ستتحول حتما إلى تطاحن بين مكونات الفسيفساء الطائفية المكونة للعراقيين، ولن يقضي عليها للأسف إلا التقسيم واستقلال كل جزء من أجزاء العراق على أسس طائفية أو أثنية. ورغم هذه النظرة السوداوية المتشائمة لعراق ما بعد داعش، إلا أنه يظل هناك أمل في تحرك الشعب العراقي العربي الأصيل، الذي لا يمكن أن يستسلم للاحتلال الغاشم للفرس، فإرهاصات هذا التحرك بدأت بالظهور على السطح في التحركات التي تثور بين الحين والآخر على الفساد، لكنها ضمناً تثور أيضاً على الاحتلال الفارسي؛ ربما أن الأولوية الآن لطرد داعش، وإذا تم دحرها فالأمل أن ينصرف الإباء العراقي المعروف لطرد الفرس، واستقلال العراق من براثن هذا الاحتلال الغاشم البغيض. إلى اللقاء