تعتبر الابتسامة مدخلاً للمجاملة العذبة الرقيقة، إذ تتكىء على قيم ومثل عليا تحث على السلوك النبيل وتستثير مكامن الخير في النفس المؤمنة لتنضح بالعطاء المتدفق نبلاً يروي المشاعر الجافة برحيق البشر والسماحة من قلب طيب يفيض بالعطف والحنان وفي تكريس للمحبة بأجمل معانيها، فمن خلالها تنبثق الرحمة والمودة والألفة وتشكل جسراً للترابط وتبادل المنافع بين الناس، إن من أنبل الخصال وأكرمها التصاق المحبة في النفس، وعطاء المحب سواء كان بالكلمة أو الفعل سينعكس عليه من خلال إثراء نفسه الأبية ومآل هذا والعائد منه الخير الكثير، غير أن المجاملة اللطيفة تخضع في بعض الأحيان إلى التشويش والمغالطة من خلال إخضاعها لتأويلات تجانب الصواب وتناقض الحكمة وتنم عن نشوء خلل في التصنيف، حينما تٌطلق على المجامل المبتسم صفة التملق وهو أبعد ما يكون عن ذلك، بل إنه لا يأبه بهذا التصور التعسفي لأنه يدرك المعنى الجميل لحسن الخلق وكيف يتحلى به، ويدرك استثارة مكامن الخير وتوهجه في نفسه الكريمة التي تأبى إلا أن تكون عنواناً صادقاً لسماحة النفس ويقينه المطلق بربه، حين أعطى ولم يلتفت لمن يصنف هذا العطاء وفق أوهام وترسبات متراكمة ومرتبطة بالحسد والعياذ بالله، إن من ينعت المجامل الرقيق المبتسم بالتملق لم يستطع تذليل الصعوبات في فؤاده الجاف المفتقر إلى كل ما يمت لينابع الخير بصلة وبالتالي عجزه عن مجاراة من يحب الخير ويسعى إليه، لأنه بالأصل فاقد لهذا الخير (وفاقد الشيء لا يعطيه) فبات يسخر من هذا وينعت ذاك ، في حين أنه من المؤسف أن يتأثر البعض بهذه الأصوات الشاذة والمنفرة، إن محاصرة المجاملة اللطيفة بهذه الشكوك تفضي إلى تكريس الجفاف في العلاقات الاجتماعية وترسخ قسوة القلب وغياب الابتسامة، ولما كانت الابتسامة تجسيداً فريداً لروعة الإحساس ورقة المشاعر، فإنها لا تلبث أن تحيل عناء القلوب إلى واحة غناء يكسوها الحب الصادق، فطوبى لمن تحلى بها واستكثر من الخير بدعاء الناس له، وهو ينال الصدقة تلو الصدقة مصداقاً لقول رسولنا الكريم عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم "وتبسمك في وجه أخيك صدقة".. وقد ترتبط الابتسامة بحساسية مفرطة من قبل البعض كأن يعتقد بأن ابتسامته تلك، ستفقده شيئاً من هيبته ووقاره في خلط عجيب لايعدو عن كونه بؤرة للغطرسة ونواة للغرور، وغالباً ما تغادر الابتسامة على درجة الأفق (الضيق) إلى حيث الوجهة الخاطئة لتحلق وحدها في ظلام دامس، بينما وجهتها الصحيحة هنا وهناك بين أقرانك وأحبابك، بين معارفك وأصدقائك، بين أبناء بلدك وأمتك، بين من عرفت ومن لم تعرف، لأنها تعبير عن شخصيتك ومؤشر على سماحة نفسك، فإذا كانت الأخلاق معياراً لرقي الأمم وتقدمها فنحن بها أولى، بعيداً عن عبوس الوجه وانغلاق الأسارير وقيل (البِشر يدل على السخاء كما يدل الزهر على الثمر).