استأثر أدب الرحلات باهتمام الكثيرين ,ولذا كان محل عناية العلماء والأدباء والمؤرخين عبر مراحل التاريخ ,وباتت الرحلات تحتل مكانة متميزة في خارطة البحث العلمي في مجال العلوم الإنسانية إذ يجد فيها المؤرخ والجغرافي وعالم الاجتماع والاقتصاد ودارس الأدب معلومات تاريخية وجغرافية واجتماعية وثقافية. رحلات الحج إرث أدبي وثقافي. وقد حظيت رحلة الحج بعناية خاصة من لدن العلماء والرحالة والمؤرخين عبر مراحل التاريخ الإسلامي، وتجلى ذلك في كثرة ما دار حولها من المؤلفات منذ وقت مبكر إلى وقتنا هذا ولا مراء في أن موضوع رحلة الحج في كتابات وعيون الرحالة والمؤرخين شاسع وواسع ومتعدد الجوانب. حيث تمثل رحلة الحج حجر الزاوية، وكانت يكتنفها صعوبات كثيرة عندما كان السفر برواحل الإبل أو السير على الأقدام، والرحلة طويلة والسفر شاقا والطريق غير مألوف. وكان أهل الحاج يودعونه وهم غير واثقين تماما من عودته. الحجاج سفراء بين الشرق والغرب زخرت كتب الرحالة بكتابات رحلاتهم بلغة أدبية عظيمة التأثير والامتاع، وكان للحج أثره وتأثيره عليهم. عبروا عن مشاعرهم الجياشة أثناء زيارتهم مكةالمكرمة والمدينة المنورة والأماكن التي ينزلون بها ووصف رحلاتهم ورواحلهم، وتمدنا منظومة رحلات الحج إلى مكة والمدينة عبر العصور بأضخم سجل لتاريخ المدينتين المقدستين. كان الحج عنصرا مؤثرا واضح التأثير وكان للسماع من أئمة وعلماء الحرمين أثره البعيد في اتساع دائرة العلم والأدب. ولقد وصفوا المدينتين المقدستين مكةالمكرمة والمدينة المنورة والطرق الموصلة إليهما، وكذا ما يتعلق بالمشاعر المقدسة والحج خصوصا وما في البلدين المقدسين من آثار كريمة - وكان العلماء والأدباء والمؤرخون والرحالة يقصدونها من مختلف أقطار العالم الإسلامي ليؤدوا ركنا من أركان الإسلام وليضيفوا إلى ذلك أموراً من أهمها التزود بزاد العلم والمعرفة والالتقاء بعلماء الحرمين والاستزادة والنهل من علومهم ومعارفهم .، فكان كثير من الرحالة والعلماء وخاصة من المغرب والأندلس يفدون إلى مكةالمكرمة لا للحج وحده ولكن لينشروا العلم ويستزيدوا منه ويكونوا صلة ثقافية بين الشرق والغرب . ولقد برز علماء المغرب على غيرهم في تدوين الرحلات، ومن يطالع كتب الأندلسيين ك(نفخ الطيب) للمقري و(فهرست الأشبيلي) وغيرهما يجد أن كثيراً من العلماء الذين رحلوا إلى مكة والمدينة كانوا رسل علم وحملة ثقافة ودعاة معرفة . حتى أثر عن بعضهم كتب دونت ما كان يطرح فيها من مسائل العلم وقضايا الأدب والنقد واللغة. وعلى الرغم من أن الدور العلمي لرحلات الحج يمكن أن يكون موضوعا لكثير من البحوث نظرا لغزارته وتنوع مضامينه.. فقد حفلت كتب الرحالة بالعرض والمناقشة التاريخية التي تؤرخ لهذه البلاد ولعلمائها ووصف سكانها وأنشطتهم إلى جانب ما فيها من معلومات وتحليلات ذات أهمية بالغة لتاريخ الأماكن المقدسة وجغرافيتها ولسكانها ومناحي نشاطاتهم بالاضافة الى الحج ومناسكه. قاصدو مكة مؤرخو علم وحضارة إن أدب الرحلات مدين للحج بالكثير جدا. فإن الكثير من الرحالة إنما بدأوا رحلاتهم بقصد الحج كما هو معروف عن رحلة ابن بطوطة وابن جبير وغيرهما من الرحالة المشهورين. كما أن كتب الرحالة تعد من أهم المصادر التاريخية حيث أبدعوا في تدوين رحلاتهم وتسجيل انطباعاتهم واتصفوا بدقة الملاحظة والوصف والتقصي وتسجيل مشاهداتهم بأمانة وصدق. وهذه الرحلات في مجملها تعتبر سجلا للكثير من المشاهدات التي رصدها الرحالة عن المدينتين مكةالمكرمة والمدينة المنورة وطرق الوصول إليهما. رحم الله أسلافنا من الرحالة الذين كانوا ينشرون العلم والدين والمعارف والأدب والفضائل خلال رحلاتهم وما زالت آثارهم باقية خالدة في تاريخ الحضارة الإسلامية، وكم نحن في حاجة في هذا الزمان إلى إعادة قراءة كنوز تراثنا الفكري والتاريخي والتأمل والنظر فيه والإفادة منه ولتعميق ادراكنا بتاريخنا. قوافل الحجيج .. ثرية بالمعارف رحلة الحج مؤثرة في الوجدان