تشير الإحصائيات التنبئية إلى أن 74 % من القطاع الاقتصادي معرض إلى الاختراق الإلكتروني سنوياً، وأن الخسائر المادية المتوقعة من جراء الجرائم الإلكترونية يقدر بأنها ستصل إلى 3 تريليون دولار بحلول العام 2020. وفي الزيارة الأميركية الأخيرة للمملكة صرح وزير الخارجية الأميركي أن محاربة داعش ستكون على الأرض وفي الفضاء الإلكتروني، فالخطر السيبراني أصبح واقعاً خطراً يجدر الالتفات له والتصريح به واتخاذ خطوات دولية تعاونية لمحاربته. فقد قام تنظيم الدولة باستخدام المعلومات كسلاح لاستهداف الأشخاص وضمهم له، واستخدامهم في العمليات التدميرية. لذا قام تويتر بحجب أكثر من653.000 حساب مرتبط بتنظيم الدولة "داعش" منذ العام 2015 وأيضاً الفيسبوك واليوتيوب الذي يحتوي على العديد من المواد العسكرية، والتي عملت هذه المواقع على إزالتها، ولكن ما زال التنظيم ينشر مجلة إلكترونية شهرية بعشر لغات، ويقوم بنشر العديد من الفيديوهات من خلالها. أما القوات الخاصة بالولايات المتحدة فهي تقوم بجمع معلومات وتحليلها من خلال الغارات والطائرات بدون طيار لتقوم بمعرفة العمليات التي يخطط تنظيم الدولة القيام بها في جميع أنحاء العالم. إن العديد من الأجهزة العسكرية تعتمد على التكنولوجيا، وأي اختراق لها قد يعرض الأمن القومي للخطر، بالتالي فالقطاع العسكري عليه اليوم أن يقوم باستخدام دفاعات سيبرانية قوية وتدريب متخصصين في الأمن الإلكتروني لتقليل الخطر المحتمل والهجمات الإلكترونية المتوقعة. وعلى الكفة الأخرى فالمدنيون سيكونون ضحايا ومعرضين للخطر في هذه الحرب الإلكترونية، فالجهات الحيوية كالمستشفيات مرتبطة بالمدنيين وقد يصل الأمر لتعريض حياتهم للخطر وليس فقط مسألة خصوصية معلومات. فالقطاع الاقتصادي والعسكري والمدني يواجه هذا الخطر السيبراني، والذي لا يرتبط بوقت معين ولا يعتد بامتداد الحدود الإقليمية. وتجري الآن المحاولات الدولية على إعداد اتفاقية تحت مسمى "اتفاقية جنيف الرقمية" وتهدف لحماية المدنيين من خطر الحروب الإلكترونية لتحاكي اتفاقية جنيف الخاصة بحماية المدنيين في الحروب الصادرة عام 1949 وقد نصت على أن جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر هي المنوطة بالتدخل وقت الحروب لحماية المدنيين، ولمحاكاة ذلك على الصعيد السيبراني فقد يكون على الهيئات الإلكترونية وشركات التكنولوجيا تلك المسؤولية في الحروب الإلكترونية. فالعالم يحتاج إلى جهة دولية متخصصة في الأمن الإلكتروني تقوم برصد الانتهاكات والتحذير من الأخطار والتهديدات المتوقعة كما تفعل الوكالة الدولية للطاقة الذرية في قطاع الطاقة النووية وضمان الاستخدام السلمي لها. ويجب أن تضم هذه الجهة متخصصين تقنيين وأكاديميين وقانونيين وبعض أفراد القطاع المدني الماهرين، فعندما تقوم حكومة معينة بشن هجمة إلكترونية يتم اكتشافها والتشهير بها ومعاقبتها دولياً، فذلك سيساعد على تطبيق قواعد القانون الدولي المتعقلة بالهجوم والدفاع كما أنها ستكون عظة وعبرة للحكومات الأخرى. إن الإعداد لاتفاقية دولية جديدة ليس بالأمر السهل ولكن الحاجة الملحة لتلك الاتفاقية ومن خلال التعاون والتنسيق بين الدول والعزم على البدء بالعمل عليها سيجعلها ترى النور عما قريب. * محاضرة في القانون الدولي جامعة الملك سعود