حينما تشاهد سنابات كثيرة تعرض حالة احتفال لأسرة ما.. إطفاء للشموع، موسيقى صاخبة، كيكة بحجم الطاولة، هتافات أطفال، قوارير من العصائر والمشروبات الساخنة، هدايا مغلفة.. فلا تقلق فتلك احتفالات مضافة إلى يوميات الناس الذين أصبحوا يتكاثرون ويفتخرون بعدد احتفالاتهم ومناسباتهم التي أصبحت ضائعة خلف ضياع القيمة، ولست وحدك في حالة الهدوء التي تعيشها، أو حالة البعد عن الصخب والبذخ الاجتماعي الذي لم يعد يأخذ شكل كثرة الطعام على موائد الأعراس، ولكنه أصبح يكثر في غرفنا الخاصة، في بيوتنا وربما في الاستراحات التي يحجزها البعض لإقامة "حفلة" أي حفلة لأي مناسبة فالمهم أن تأتي المناسبة.. وكأن المجتمع أصبح يفتش في حياته السنابية عن حالة ما أو صفة ما عن متعة أياً كان شكل تلك المتعة، عن فرح ولو كان مستعاراً ومصروفاً عليه الكثير من الأموال فالمهم أن يأتي الاحتفال وأن تعيشه الأسرة ولكن ليس بمفردهم.. بل إلى كل من تسلل إلى سناباتهم ليشاهد مظاهر المتعة والسعادة التي لسنا متأكدين بعد مدى صدقها وحقيقتها. ومن خلال تلك العادة التي انتشرت، والتي أصبحت اليوم تأخذ شكل إقامة الاحتفالات سواء بأسباب حقيقية أو لأسباب غير مقنعة فالمهم أن يأتي الاحتفال وأن يعلم الآخرون أن هؤلاء في هذه الساعة وفي هذا المكان يحتفلون.. فهل حقاً نحتفل لأننا سعداء؟ أم أن الناس أصبحوا يقيمون احتفالات عيد الميلاد واحتفالات العودة من السفر واحتفالات عودة الزوجة إلى زوجها واحتفالات الابن الخارج من السجن واحتفال المرأة التي أسقطت من وزنها 10 كيلو، واحتفال الأم بجاراتها لزيارتهن الأولى هي مجرد احتفالات يبحث فيها المرء عن سبب ليكون موجوداً في الزحمة، وليخلق حوله حالة من الضجيج الاجتماعي الذي يرغب أن يبرز من خلاله، حالة يشتهي فيها أن يمارس البذخ ليس فقط البذخ المادي وإنما البذخ الاجتماعي والعاطفي الذي أصبح هو أيضاً للفرجة.. وأصبح للجميع حتى أخذ الجميع يمارسه بكثرة ويقيم حفلة ويغلف هدية لمجرد حدث الحفلة وإظهار تلك الهدية المغلفة. احتفالات للتفاخر فقط! ترى حبيبة عبدالحميد -تعمل في صالون نسائي- أن إقامة الاحتفالات لدى الناس أصبحت تتخذ شكل التفاخر فيما بينهم، فللأسف في السنوات العشر الماضية كان للاحتفال قيمته، وكانت المأدبة التي تقام لدى الأسرة لها مكانة كبيرة لأنها قد لا تتكرر إلا كل سنة أو ربما أكثر، وربما تتضاءل لدى الأسر ذات الدخل المحدود، فلا يقيمونها إلا حينما يكون هناك حدث استثنائي، فيأتي الأقارب والجيران ويشاركون في تلك المأدبة، فالجيران يمدون يد العون في ترتيب أصناف الطعام التي غالباً ما تكون محددة وبسيطة وتأتي من القلب، وكذلك تفعل الأسرة التي تحرص على إقامة تلك المأدبة أو الحفل لسبب كبير يستحق الاحتفال، لأنها تقدر قيمة المال الذي يصرف ويهدر، ولأنها تبحث عن القيمة المعنوية خلف تلك المأدبة ويحضر الجميع بهدوء دون أن يعرف عن تفاصيل تلك المأدبة إلا المقربون، وربما يتناقل البعض بالكلام والأحاديث عبر الهاتف ما حدث في تلك المأدبة.. أما اليوم اختلف الوضع كلياً، وأصبحت إقامة الاحتفالات أكثر من الهم على القلب، وأصبحت تأتي وتذهب كمجيء النهار وذهاب الليل، ولأسباب أحياناً تكون غير مقنعة كحفلة جمعة الصديقات، أو حفلة طلاق لمرأة خلعت زوجها، إلا أن المشكلة ليس في إقامة الحفلة بل الإشكالية في أن الناس أصبحوا يتوارثون تلك الثقافة التي تسببت بهدر الكثير من القيم والهدر المادي وسببت الخلافات بين الآخرين وكثرة الملاحظات والأقاويل مشيرة إلى أن الكثير من السيدات يأتين لعمل ميكب أب أو تسريحة شعر في الصالون وحينما تسألهن مصففة الشعر عن المناسبة تذكر الزبونة بأنها من أجل حفلة من هذه الحفلات. وتضيف: إن لاندفاع الناس حول إقامة الحفلات أسباباً أخرى لدى انتصار سند الموظفة في إحدى الشركات والتي تجد أن قنوات التواصل الاجتماعي وثقافة البحث عن الصورة أو الحدث هو السبب خلف انتشار ظاهرة الاحتفالات الكثيرة، وربما في بعض الحالات غير منطقية، فالجميع يريد أن يصنع حدثاً يصوره عبر السناب شات ويبثه للمضافين ثم ينتظرون ردة الفعل، وكأن السناب خلق من الناس ومن أخبارهم وأسرارهم حالة لكل يوم، فلم يعد البعض يكتفي بتصوير يومياته المعتادة كإعداد طبخة في المطبخ أو شراء حذاء من محل كتب عليه تخفيضات كبرى، إنما أصبح البعض يرغب بوجود "أكشن" أكبر من خلال حفلة تصوير ويظهر فيها الجميع يصرخ ويضحك ويأكل وكأن في ذلك متعة لممارسة مظاهر الفرح أمام الآخرين والتي تدل أن هذه الأسرة دوماً سعيدة، والحقيقة ربما تكون بخلاف ذلك مبينة أن الكثير من الاحتفالات التي تعمل والتي يتكبد أصحابها خسائر مادية كبيرة للأسف تعمل من أسر ذوي الدخل المحدود وربما البعض منهم يتقاضى معونة من الضمان الاجتماعي فيحجزون الاستراحة والمطعم وصاحبة الدوجيه وينشرون الدعوة عبر الوتساب ويغلفون الهدايا الباهظة الثمن وجميع ذلك من المقطوعة أو الراتب الشهري الذي يأتي من الشؤون الاجتماعية، أو ربما من دين تكبدته الأم حتى تقيم الحلفة.. متمنية لو تم إيقاف السناب شات لأنه تسبب بالكثير من الممارسات غير الصحية للمجتمع، كما دفع الأفراد إلى الإسراف والبذخ والفضول والاشتباكات وحدوث المواقف المسبقة وكثرة الحسد والعتاب. حفلات البذخ وترى مها القطان الأخصائية الاجتماعية أن البعض يحاول إقامة الحفلات لأبسط المناسبات كنوع من التفاخر على الرغم من أن هناك نوعاً من المناسبات لا تحتمل أن يقام لها احتفال، ويقوم بتصويرها وإبرازها، حتى أصبحت للأسف هذه الاحتفالات لمجرد التكلف والبذخ كنوع من التقليد فالجميع يرغب بإقامة الاحتفالات كنوع من التنافس ورغبة في الحصول على التأييد المجتمعي والشعور بالمثالية وبأن هذه الأسرة مختلفة أو هذه المرأة مميزة فلدى الأفراد شعور بعدم الاكتفاء لمجرد التكلفة والبذخ، ولكن للأسف الإشكالية في التفنن في نوع الهدايا وطريقة إقامة الحفلة فالبعض يتحمل تكاليف مادية كبيرة من أجل إقامة هذا النوع من الحفلات وإبراز نوع الهدايا التي تقدم والتي عادة ما تكون بقيمة كبيرة حتى انعكس ذلك الترف وممارسته على تفكير الأطفال الذين أصبحوا يطالبون بالاحتفالات وبالسفر حتى لا يشعروا بالأقلية وبأنهم غير مرغوب بهم، حتى أصبحت أعياد الميلاد عادة لدى جميع الأسر بل وصلت إلى كبار السن الذين أصبحوا ينتظرون إقامة أعياد الميلاد لهم والتي تصور على السناب شات كنوع من التفاخر. وانتقدت القطان كثرة ارتياد الأسواق التي عودت أفراد المجتمع على البذخ والصرف غير العقلاني على الرغم من أن الكثير يشتكي من ضيق المعيشة والضغط المادي ثم نجد أن الكثير يرتاد الأسواق ويتفاخر بشراء الماركات، وإذا ما تأملنا الحقيقة التي تختفي خلف تلك الممارسات نجد أن البعض يتدين من أجل هذا البذخ، وهناك من يحصل على الدعم الضماني ويصرفه على مظاهر البذخ تلك، من إقامة الحفلات غير الواجبة، مبينة أن الشعوب الأخرى لا تمارس هذا الهوس للترف والرغبة في البذخ ففي الدول الغربية لا يهتمون ببذخ المال من أجل التفاخر وممارسة البذخ رغبة في الشعور بالتميز. وأضافت بأننا مجتمعات تتوق إلى المتعة بشتى أنواعها، وكأن هناك رغبة لابتكار شعور بالمتعة أو السعادة حتى إن كانت غير حقيقية لمجرد أنها تمارس أمام الجميع وتصور من خلال قنوات التواصل الاجتماعي، ولذلك نحن بحاجة إلى نواد صحية وبرامج ترفيهية للأسرة، والكثير من المبادرات تشغل أفراد المجتمع عن هوس البذخ وإقامة الحفلات ليس لشيء سوى لمجرد البحث عن المتعة، ولذلك نحن بحاجة إلى تغير ثقافة وفكر وأنشطة يمارسها أفراد المجتمع بعيداً عن هذا التسطح. البعض يخلق مناسبة دون مناسبة لمجرد التباهي أمام الغير