رجال اقتصاد المملكة وأعلامها النبلاء في مجال المال والأعمال كثر، ولكن من أصبح منهم مجرد اسمه علامة تجارية تعني الثقة والمصداقية والمثابرة، والنحت في الصخر هم قليل. المصرفي ورجل الخير محمد السبيعي، رحمه الله واحد من هؤلاء النبلاء النجباء، حفر لاسمه وصيته مكانة كبيرة تعدت الوسط المصرفي والاقتصادي إلى شعبية جارفة كشخصية معروفة على مستوى المملكة والخليج، فهو شخصية لامعة اشتهر في مجال الصرافة قبل ثمانية عقود، وانطلق بهذا المجال وهو ابن 15 عاما، ويعني ذلك أنه بدأ تجارته بهذا المجال قبل ظهور الريال السعودي في التعاملات النقدية، وفي ظل عدم وجود بنوك محلية في ذلك الزمن. في سيرة السبيعي، غفر الله له، حكايات وعبر كثيرة، وفيها منهاج يستحق أن يدرس ليس لمبتدئي خطواتهم في عالم الأعمال فقط، بل هي من أسس كل عمل ناجح، وفيها محفزات لكل مثابر بمختلف شؤون الحياة،انتقل في صغره من نجد للحجاز،حيث كانت الحياة شحيحة وصعبة، ففي مكة كون نواة مملكة الصرافة في بلادنا، تعامل حينها بمعدني الذهب والفضة كونهما الأكثر انتشارا بذلك الزمن للبيع والشراء، وكان يشتري العملات القديمة من الحجاج العرب والمسلمين، وأشهرها في زمنه الدينار والجنيه والروبية. في أحاديث صحفية له، ورغم قلتها، تقرأ في كلماته حكم زمن الطيبين، فالثقة والأمانة والعزيمة، أسس ورأس مال جيل السبيعي العظيم، ولعل صعوبة الظروف وجهاد الحياة لذلك الجيل، اخرجت رجال صنعوا وشقوا طريق مجدهم بتحدي لمثيل له في وقتنا الراهن. من تحديات السبيعي في مطلع حياته، أنه عاش يتيما، وعمل في وظيفة بسيطة لم يستلم عنها راتبا لمدة عامين، ولكنه لم يحبط او ينهار، بل شد حزام العزيمة وبدء بعمل صغير كبائع للأقمشة بمكةالمكرمة، ثم انتقل لمجال الصرافة، وبصبره وكفاحه ومغامرة،وثقة المتعاملين معه نجح ولمع اسمه كجنيهات الذهب والفضة التي تنقل بها كثيرا ما بين مكةوجدة، وحتى الرياض، ورغم صعوبة المواصلات والطرق، كان يحارب شتى أنواع الصعاب، ويثق أن الله مع الصابرين، ومن اقرانه من أهل نجد في ذلك الوقت صالح وسليمان الراجحي وعبدالعزيز المقيرن، تنافسوا بشرف في التجارة والصرافة مع أهل الحجاز، وصمدوا بجد وعرق أبناء الصحراء المناضلين. تطور السبيعي واتجه للعمل المنظم في مجال الصرافة، وواكب تنقلات المتغيرات الاقتصادية السعودية وتطور معها بالعمل المنظم والاندماج الذي منحه قوة وانتشارا أكبر، وقبل 12 عاما فقط، كان المؤسس الرئيسي لواحد من البنوك الحديثة بالمملكة، وهو بنك البلاد، برأس مال ثلاثة مليارات ريال. عرف الفقيد بين الناس بحب الخير، والمشاركة في العمل الخيري المؤسسي الهادف للتوسع في خدمة المحتاجين، ودعم جمعيات الأيتام والجمعيات الخيرية بالمملكة، واقترن اسمه بأعمال خير لا حصر لها، وسيظل يذكره الناس كرجل من جيل الطيبين وأحد أعلام هذا الوطن الخيرين، ويترحمون على من عاش مكافحا، ووضع لاسمه مكانه مرموقة، ومحبا للناس والخير. محمد السبيعي