عندما يتمادى البعض في غلوّهم فيحكمون على هذا بأنه في الجنة وذاك في النار.. لا تملك إلا أن ترفع حاجبيك دهشة بجرأتهم على محاكمة البشر بما تخفي الصدور نيابة عن خالقهم! الفنان الكبير عبدالحسين عبدالرضا انتقل إلى رحمة الله تعالى مخلفا محبة كبيرة في قلوب ملايين الخليجيين، زرع بذورها خلال خمسة عقود بأعماله الدرامية التي حملت الكثير من القيم الأخلاقية دون أن يميز أو يسيء لأي طائفة أو دين أو عرق، ومع ذلك لم يسلم بعد وفاته ممن حكم عليه بأنه في النار، ولم يكن الأمر متعلقا بمذهبه الشيعي، فمن سبقه من السنة لم يسلموا من جور أولئك، وكل جريرة الراحلين أنهم اختلفوا مع أصحاب الأحكام الجائرة، ولم يكونوا تحت سلطتهم ففجَروا بالخصومة دون وازع ديني أو أخلاقي يلجمهم! والذاكرة ما زالت تختزن قصة الوزير المرافق غازي القصيبي عندما أراد توسيع نطاق عمل المرأة إبان تسنمه وزارة العمل، فقوبل بحرب ضروس حتى أن أحد دعاة الصحوة دعا عليه علنا بالموت صريعا بالسرطان، وأن لا يقبل الله له توبة! أيضا الوزير الأسبق للتربية والتعليم محمد الرشيد تعرض لحملة ضارية عندما تم دمج رئاسة تعليم البنات بوزارة المعارف، إذ قال عنه جماعة التيار الصحوي بأنه (لا تبرأ به الذمة). أما الفنان طلال مداح الذي مات فوق مسرح المفتاحة محتضنا آلة العود فتشمتوا به وبطريقة وفاته، بل ودعو لعدم الصلاة عليه، وكأنه خارج عن الملة وناكر للرسالة المحمدية! إن مثل هذه الأصوات النشاز التي تظهر بين الحين والآخر تزرع بذور الكراهية وتتنافر مع جوهر الإسلام ودعوته للتعايش مع جميع المذاهب والأديان، مما يستدعي إصدار قانون يجرم الكراهية والعنصرية والوصاية على الناس فيما يعتقدون، ويحظر النقاش في المسائل العقائدية بأي شكل تحريضي، كما يمنع أي خطاب للتمييز بين أفراد المجتمع. حان الوقت لترسيخ المبادئ الإنسانية في علاقات النسيج الوطني الواحد، دون الولوغ في المعتقدات أو السقوط في محاكمة البشر بالنوايا!.